ودعواه على الآخر براءة منه للأول ولأنه قد تناقض كلامه والخصومة من المناقض غير مسموعة وشرط القطع الخصومة فلهذا لا يقطع واحد منهما ولا يضمن الأول السرقة أيضا لأنه قد أبرأه منها بالدعوى على الآخر فصار مكذبا له في إقراره وقد كذب الآخر في إقراره قبل هذا فلا ضمان له على واحد منهما .
ألا ترى أنه لو أقر بأنه سرق منه فقال المقر له كذبت ثم قال له صدقت أنت سرقتها لم يكن له أن يضمنه شيئا وإن لم يقل كذبت ولكنه قال صدقت ثم قال آخر أنا سرقتها فقال له صدقت لم يقطع واحد منهما لمعنى التناقض ويضمن الآخر دون الأول لأنه بتصديق الآخر صار مكذبا للأول مبرئا له عما أقر به .
( فإن قيل ) فكذلك هو بتصديق الأول صار مكذبا للآخر .
قلنا نعم لكن وجد من الآخر الإقرار له بعد ذلك التكذيب فيصح تصديقه في ذلك كمن أقر لإنسان بمال فكذبه ثم أقر له ثانيا به فصدقه كان له أن يأخذ المال وإن كان ذلك في شهادة لم يضمن واحد منهما شيئا لأن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ولا يقضي القاضي بها إلا إذا ترتبت على خصومة صحيحة وقد سقط اعتبار خصومته للتناقض ولأنه صار مكذبا كل فريق بتصديق الآخر كالمدعي إذا أكذب شاهده لم تقبل شهادته له .
( قال ) ( رجل قال لآخر سرقت منك كذا وكذا فقال كذبت لم تسرق مني ولكنك غصبته غصبا وإنما أردت بذكر السرقة أن تبرأ من الضمان ففي القياس لا شيء عليه ) لأنه كذبه ثم ادعى عليه غصبا مبتدأ فبطل إقراره بالتكذيب ولم يثبت ما ادعاه بغير حجة .
ولكنه استحسن فقال له أن يضمنه لأن كلامه موصول .
وفي آخره بيان أن مراده التكذيب في جهة السرقة لا في أصل المال المضمون عليه والبيان المغير صحيح إذا كان موصولا بالكلام ثم المقر له انتدب بما صنع إلى ما ندب إليه في الشرع من إبقاء الستر على المسلم والاحتيال لدرء العقوبة عنه فلا يكون ذلك مسقطا حقه في المال .
وإن قال سرقت منك كذا فقال الطالب غصبته غصبا فهو مستهلك فعليه ضمانة لأنه كما صدقه في الإقرار بملك أصل المال له فقد صدقه في إيجاب الضمان في ذمته لأن الغصب والسرقة كل واحد منهما سبب للضمان والأسباب مطلوبة لأحكامها لا لأعيانها فمع التصديق في الحكم لا يعتبر التكذيب في السبب .
وإن قال غصبتك كذا فقال سرقته مني فله أن يضمنه لأنه صدقه فيما أقر له به وادعى زيادة جهة السرقة ولم يثبت له تلك الزيادة بدعواه فعليه ضمان القيمة والقول في مقدار القيمة قول الضامن مع يمينه لإنكاره الزيادة التي يدعيها الطالب .
وإن قال سرقت