[536] التّفسير المؤمنون أخوة: يقول القرآن هنا قولاً هو بمثابة القانون الكلّي العام لكلّ زمان ومكان: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)(1). وصحيح أنّ كلمة "اقتتلوا" مشتقّة من مادة القتال ومعناها الحرب، إلاّ أنّها كما تشهد بذلك القرائن تشمل كلّ أنواع النزاع وإن لم يصل إلى مرحلة القتال والمواجهة "العسكرية" ويؤيّد هذا المعنى أيضاً بعض ما نقل في شأن نزول الآية... بل يمكن القول: إنّه لو توفّرت مقدّمات النزاع كالمشاجرات اللفظية مثلاً التي تجرّ إلى المنازعات الدامية فإنّه ينبغي وطبقاً لمنطوق الآية أن يُسعى إلى الإصلاح بين المتنازعين، لأنّه يمكن أن يستفاد هذا المعنى من الآية المتقدّمة عن طريق إلغاء الخصوصية. وعلى كلّ حال، فإنّ من واجب جميع المسلمين أن يصلحوا بين المتنازعين منهم لئلاّ تسيل الدماء وأن يعرفوا مسؤوليتهم في هذا المجال، فلا يكونوا متفرّجين كبعض الجهلة الذين يمرّون بهذه الأُمور دون اكتراث وتأثّر! فهذه هي وظيفة المؤمنين الأولى عند مواجهة أمثال هذه الأُمور. ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثانية على النحو التالي: (فإن بغت إحداهما على الأُخرى)ولم تستسلم لاقتراح الصلح (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). وبديهيٌّ أنّه لو سالت دماء الطائفة الباغية والظالمة ـ في هذه الأثناء ـ فإثمها عليها، أو كما يصطلح عليه إنّ دماءهم هدر، وإن كانوا مسلمين، لأنّ الفرض أنّ النزاع واقع بين طائفتين من المؤمنين... وهكذا ـ فإنّ الإسلام يمنع من الظلم وإن أدّى إلى مقاتلة الظالم، لأنّ ثمن العدالة أغلى من دم المسلمين أيضاً، ولكن لا يكون ذلك إلاّ إذا فشلت الحلول السلمية. ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثالثة فيقول: (فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل). أي لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع، وإلاّ فإنّه بمرور الزمن ما أن يُحسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع. قال بعض المفسّرين: يستفاد من التعبير "بالعدل" أنّه لو كان حقّ مضاع بين الطائفتين أو دم مراق وما إلى ذلك ممّا يكون منشأ للنزاع فيجب إصلاحه أيضاً، وإلاّ فلا يصدق عليه "إصلاح بالعدل"(2). وحيث أنّه تميل النوازع النفسية أحياناً في بعض الجماعات عند الحكم والقضاء الى إحدى الطائفتين المتخاصمتين وتنقض "الإستقامة" عند القضاة فإنّ القرآن ينذر المسلمين في رابع تعليماته وما ينبغي عليهم فيقول: (وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين)(3). والآية التالية تضيف ـ لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلةً: (إنّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم). فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النَسَب، فينبغي أن لا تألوا جهداً في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة! وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم "أخوة" وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعاً بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه... وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل "الروابط" في أمثال هذه المسائل محل "الضوابط" فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّةً أُخرى قائلاً: (واتّقوا الله لعلّكم ترحمون). وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الإجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الإجتماعية بجميع أبعادها. * * * ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ مع أنّ كلمة (طائفتان) مثنى طائفة، إلاّ أنّ فعلها جاء بصيغة الجمع اقتتلوا لأنّ كلّ طائفة مؤلفة من مجموعة من الأفراد. 2 ـ تفسير الميزان، ج18، ص342. 3 ـ كلمة "المقسطين" مأخوذة من القسط ومعناها في الأصل التقسيم بالعدل، وحين ترد على صيغة الفعل الثلاثي قسط على زنة ضرب تعني الظلم والتجاوز على حصّة الآخرين ظلماً، إلاّ أنّه حين تأتي ثلاثي مزيد فيقال "أقسط" فإنّها تعني إعطاء الحصة عدلاً، وهل القسط والعدل بمعنى واحد أم لا؟ هناك بحث ذكرناه في ذيل الآية (29) من سورة الأعراف لا بأس بمراجعتها..