[516] بحوث 1 ـ الأدب أغلى القيم اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بمسألة رعاية الأدب، والتعامل مع الآخرين مقروناً بالإحترام والأدب سواءً مع الفرد أم الجماعة، ونشير إلى طائفة من الأحاديث الشريفة هنا على أنّها شواهد وأمثال لهذا العنوان... 1 ـ يقول الإمام علي (عليه السلام): "الآداب حُللٌ مجدّدة"(1). ويقول في مكان آخر: الأدب يُغني عن الحسب(2). كما أنّنا نقرأ حديثاً آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: "خمس من لم تكن فيه لم يكن كثير فيه مستمتع; قيل: وما هنّ يا بن رسول الله قال (عليه السلام): الدين والعقل والحياء وحُسن الخلق وحسن الأدب"(3). ونقرأ في مكان آخر حديثاً عنه (عليه السلام) أيضاً يقول فيه: لا يطمعنّ ذو الكبر في الثناء الحسن ولا الخبّ في كثرة الصديق ولا السيء الأدب في الشرف(4)... ولذلك فإنّنا حين نقرأ تأريخ حياة القادة في الإسلام وننعم النظر فيها نلاحظ أنّهم يراعون أهم النقاط الحسّاسة واللطائف الدقيقة في الأخلاق والآداب حتى مع الأناس البسطاء، وأساساً فإنّ الدين مجموعة من الآداب، الأدب بين يدي الله والأدب بين يدي الرّسول والأئمة المعصومين، والأدب بين يدي الأستاذ والمعلم، أو الأب والأم والعالم والمفكّر... والتدقيق في آيات القرآن الكريم يكشف عن أنّ الله سبحانه بما له من مقام العظمة حين يتكلّم مع عباده، يراعي الآداب بتمامها... فحيث يكون الأمر على هذه الشاكلة فمن المعلوم عندئذ ما هي وظيفة الناس أمام الله؟ وما هو تكليفهم؟! ونقرأ في بعض الأحاديث الإسلامية أنّه حين نزلت الآيات الأُولى من سورة "المؤمنون" وأمرتهم بسلسلة من الآداب الإسلامية، ومنها مسألة الخشوع في الصلاة، وكان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر أحياناً إلى السماء عند الصلاة ثمّ ينظر إلى الأرض مطرقاً برأسه "لا يرفعه"(5). وفي ما يخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هذا الموضوع ذا أهمية أيضاً إذ صرّح القرآن في آياته بالإعراض عن اللغو عنده وعدم رفع الصوت والصخب، فكلّ ذلك موجب للحبط في الأعمال واضمحلال الثواب. وواضح أنّه لا تكفي رعاية هذه المسألة الخلقيّة عند النّبي فحسب، بل هناك أمور أخرى ينبغي مراعاتها في حضوره، وكما يعبّر الفقهاء ينبغي إلغاء الخصوصية هنا وتنقيح المناط بما سبق أشباهه ونظائره! ونقرأ في سورة النور الآية (63) منها: (لا تجعلوا دعاء الرّسول كدعاء بعضكم بعضاً)... وقد فسّرها جماعة من المفسّرين بأنّه "عندما تنادون النّبي فنادوه بأدب واحترام يليقان به لا كما ينادي بعضكم بعضاً"... الطريف هنا أنّ القرآن عدّ أُولئك الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ويراعون الأدب بأنّهم مطهّرو القلوب وهم مهيّأون للتقوى، وجديرون بالمغفرة والأجر العظيم... في حين أنّه يعدّ الذين ينادونه من وراء الحجرات ويسيئون الأدب عنده ـ كالأنعام ـ أكثرهم لا يعقلون. حتى أنّ بعض المفسّرين توسّعوا في الآيات محل البحث وجعلوا لها مراحل أدنى أيضاً بحيث تشمل المفكّرين والعلماء والقادة من المسلمين، فوظيفة المسلمين أن يراعوا الآداب بين أيديهم... وبالطبع فإنّ هذه المسألة أكثر وضوحاً في شأن الأئمة أولي العصمة، حتى أنّه بلغنا بعض الروايات الواردة عن أهل البيت أنّه "حين دخل أحد الأصحاب على الإمام بادره الإمام دون مقدّمة: أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء"(6). وورد التعبير في رواية أُخرى بهذه الصورة: "أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب". وملخص القول أنّ مسألة رعاية الآداب أمام الكبير والصغير تشمل قسماً كبيراً من التعليمات الإسلامية بحيث لو أردنا أن ندرجها ضمن بحثنا هذا لخرجنا عن تفسير الآيات، إلاّ أنّنا نختم بحثنا بحديث عن الإمام علي بن الحسين (السجّاد) في "رسالة الحقوق" حيث قال في "مورد رعاية الأدب أمام الأستاذ": "وحقّ سائسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الإستماع إليه والإقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدّث في مجلسه أحداً ولا تغتاب عنده أحداً وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدواً ولا تعادي له ولياً فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلَّ اسمه لا للناس"(7). ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ نهج البلاغة الحكمة ـ 5. 2 ـ بحار الأنوار، ج75، ص68. 3 ـ المصدر السابق، ص67. 4 ـ المصدر السابق. 5 ـ راجع تفسير مجمع البيان وتفسير الفخر الرازي، ذيل الآية 2 سورة المؤمنون. 6 ـ بحار الأنوار، ج27، ص255. 7 ـ المحجّة البيضاء، ج3، ص450، باب آداب الصحبة والمعاشرة.