وأما الرأي الإسلامي فمصدر الحوادث بأسرها ومستندها إنما هو صانع مريد مختار اقتضى بإرادة قديمة وأنشأ بمشيئة أزلية كل واحد منها في الوقت الذي اقتضى وجوده فيه كما يأتي تحقيقه فيما بعد إن شاء الله تعالى .
فليس الموجد للحوادث محدثا حتى يفتقر إلى محدث ولا هو موجد لها إيجادا بالعلية أو الطبع حتى يلزم قدم ما صدر عنه بقدمه .
وقولهم لو افتقر الحادث في حال وجوده إلى محدث لافتقر في حال عدمه الى معدم قلنا مهما كان الشئ في نفسه ممكنا فلا بد له من مرجح لأحد طرفيه أعنى الوجود والعدم وإلا فهو واجب أو ممتنع فكما أنه في حال وجوده يفتقر إلى مرجح فكذا في جانب عدمه والمرجح للعدم هو المرجح للوجود لكن إن كان مرجحا بالذات عند القائلين به فعدمه هو المرجح للعدم لا نفس وجوده وأما عند القائلين بالإرادة فيصح أن يقال عدم المعدوم في حال عدمه مستند إلى عدم تعلق القدرة بإيجاده والإرادة بتخصيصه في ذلك الوقت ولا يلزم من ضرورة وجود القدرة والإدارة في القدم قدم ما يتخصص بها كما سنبينه فيما بعد .
ويحتمل أن يقال بإسناده إلى قدرة قديمة اقتضت عدمه وإرادة أزليه اقتضت تخصيص عدمه بذلك الوقت كما اقتضت تخصيص وجوده بوقت آخر والمرجح للطرفين واحد لا تعدد فيه وإن وقع التعدد في متعلقة كما سيأتي بعد .
وأما ما ذكروه من امتناع إحداث المحدث في حالي الوجود والعدم فلا يستقيم وذلك أن ما وجد بعد العدم إما أن يكون وجوده لذاته أو لغيره لا جائز أن يكون