@ 264 @ بواطنهم ، فاستفهم عن مقاربتهم ترك القتال إن كتب عليهم ، فأنكروا أن يكون لهم داع إلى ترك القتال ، فقالوا : { وَمَا لَنَا * أَن لا * نُقَاتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } أي هذه حال من يبادر إلى القتال ، لأنه طالب ثأر ، ومترج أن يكون له الظفر من الله تعالى ، لأنهم علموا أن ما أصابهم إنما كان بذنوبهم ، فلم أقلعوا وتابوا ، ورجعوا لطوع الأنبياء ، قويت آمالهم بالنصر والظفر ، قيل : وكان النبي قد ظنّ منهم الجبن والفشل في القتال ، فلذلك استفهم ، وليبين أن ما ظنه وتوقعه من ذلك يكون منهم ، وكان كما توقع . .
وقرأ نافع : عسيتم ، بكسر السين هنا وفي سورة القتال ، وقرأ الباقون بفتحها . .
وقد تقدّم الكلام على : عسى ، قال أبو علي : الأكثر فتح السين ، وهو المشهور ، ووجه الكسر قول العرب : هو عس بذلك ، مثل : حروشج ، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم ، أن يقال : عسي زيد ، مثل : رضي ، فإن قيل : فهو القياس وإن لم يقل فسائغ أن تأخذ باللغتين وتستعمل إحداهما في موضع الأخرى ، كما فعل ذلك بغيره . إنتهى . والمحفوظ عن العرب أنه لا تكسر السين إلاَّ مع تاء المتكلم والمخاطب ونون الإناث ، نحو : عسيتُ ، وعسينَ ، وذلك على سبيل الجواز لا الوجوب ، ويفتح فيما سوى ذلك على سبيل الوجوب ، ولا يسوغ الكسر نحو : عسى زيد والزيدان عسيا ، والزيدون عسوا ، والهندان عسيا ، وعساك ، وعاساني ، وعساه . وقاله أبو بكر الأدفوي وغيره : إن أهل الحجاز يكسرون السين من عسى مع المضمر خاصة ، وإذا قيل : عسى زيد فليس إلاَّ الفتح ، وينبغي أن يقيد المضمر بما ذكرناه . وقال أبو عبيد : لو كان عسيتم بكسر السين لقرىء : عسي ربكم وهذا جهل من أبي عبيد بهذه اللغة ، ودخول : هل ، على : عسيتم ، دليل على أن عسى فعل خبري لا إنشائي ، والمشهور أن عسى إنشاء لأنه ترج ، فهي نظيرة لعل ، ولذلك لا يجوز أن يقع صلة للموصول ، لا يجوز أمن تقول : جاءني الذي عسى أن يحسن إليّ وقد خالف في هذه المسألة هشام فأجاز وصل الموصول بها ، ووقوعها خبراً لأن ، دليل على أنها فعل خبري ، وهو جائز . قال الراجز : .
لا تلحني إنى عسيت صائماً .
إلاَّ إن قيل : إن ذلك على إضمار القول ، كما قيل في قوله : % ( إن الذين قتلتم أمس سيدهم % .
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما .
لأن : إن وأخواتها لا يجوز أن تقع خبراً لها من الجمل ، إلاَّ الجمل الخبرية ، وهي التي تحتمل الصدق والكذب ، هذا على الصحيح ، وفي ذلك خلاف ضعيف . .
.
) % .
وجواب الشرط الذي هو : إن كتب عليكم القتال ، محذوف للدلالة عليه ، وتوسط الشرط بين أجزاء الدليل على حذفه ، كما توسط في قوله : { وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } وخبر عسيتم : أن لا تقاتلوا ، هذا على المشهور أنها تدخل على المبتدأ والخبر ، فيكون : أن ، زيدت في الخبر ، إذ : عسى للتراخي ، ومن ذهب إلى أن : عسى ، يتعدّى إلى مفعول ، جعل : أن لا تقاتلوا ، هو المفعول ، و : أن ، مصدرية ، والواو في : ومالنا ، لربط هذا الكلام بما قبله ، ولو حذف لجاز أن يكون منقطعاً عنه ، وهو استفهام في اللفظ ، وانكار في المعنى ، و : أن لا نقاتل ، أي : في ترك القتال ، حذف الجر المتعلق بما تعلق به : لنا ، الواقع خبراً لما الاستفهامية إذ هي مبتدأ ، و : أن لا نقاتل ، في موضع نصب ، أو : في موضع جر على الخلاف الذي بين سيبويه والخليل و : ذهب أو الحسن إلى أنَّ : أن ، زائدة ، وعملت النصب كما عمل باء الجر الزائد الجر ، والجملة