@ 82 @ أعرضتم عن الإسلام . وقال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ؟ ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن ؟ يشير إلى ما جرى من الفترة بعد زمان الرسول . وقال كعب ، ومحمد بن كعب ، وأبو العالية ، والكلبي : إن توليتم ، أي أمور الناس من الولاية ؛ ويشهد لها قراءة وليتم مبنياً للمفعول . وعلى هذا قيل : نزلت في بني هاشم وبني أمية . وعن النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( إن توليتم ) ؛ بضم التاء والواو وكسر اللام ، وبها قرأ علي وأويس ، أي إن وليتكم ولاية جور دخلتم إلى دنياهم دون إمام العدل . وعلى معنى إن توليتم بالتعذيب والتنكيل وإقفال العرب في جاهليتها وسيرتها من الغارات والثبات ، فإن كانت ثمرتها الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم . وقيل معناه : إن تولاكم الناس : وكلكم الله إليهم ؛ والأظهر أن ذلك خطاب للمنافقين في أمر القتال ، وهو الذي سبقت الآيات فيه ، أي إن أعرضتم عن امتثال أمر الله في القتال . .
{ وَأَنْ * تُفْسِدُواْ فِى الاْرْضِ } بعدم معونة أهل الإسلام ، فإذا لم تعينوهم قطعتم ما بينكم وبينهم من صلة الرحم . ويدل على ذلك { أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } . فالآيات كلها في المنافقين . وهذا التوقع الذي في عسى ليس منسوباً إليه تعالى ، لأنه عالم بما كان وما يكون ، وإنما هو بالنسبة لمن عرف المنافقين ، كأنه يقول لهم : لنا علم من حيث ضياعهم . هل يتوقع منكم إذا أعرضتم عن القتال أن يكون كذا وكذا ؟ وقرأ الجمهور : { * تقطعوا } ، بالتشديد على التكثير ، وأبو عمرو ، في رواية ، وسلام ، ويعقوب ، وأبان ، وعصمة : بالتخفيف ، مضارع قطع ؛ والحسن : وتقطعوا ، بفتح التاء والقاف على إسقاط حرف الجر ، أي أرحامكم ، لأن تقطع لازم . { بِئَايَاتِنَا أُوْلَائِكَ } إشارة إلى المرضى القلوب ، { فَأَصَمَّهُمْ } عن سماع الموعظة ، { وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } عن طريق الهدى . وقال الزمخشري : لعنهم الله لإفسادهم وقطعهم الأرحام ، فمنعهم ألطافه ، وخذلهم حتى عموا . انتهى . وهو على طريق الاعتزال . وجاء التركيب : فأصمهم ، ولم يأت فأصم آذانهم ؛ وجاء : وأعمى أبصارهم ، ولم يأت وأعمامهم . قيل : لأن الأذن لو أصمت لا تسمع الإبصار ، فالعين لها مدخل في الرؤية ، والأذن لها مدخل في السمع . انتهى . ولهذا جاء : { وَعَلَى سَمْعِهِمْ } ، { وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ } ، ولم يأت : وعلى آذانهم ، ولا يأتي : وجعل لكم الآذان . وحين ذكر الأذن ، نسبت إليه الوقر ، وهو دون الصمم ، كما قال : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى } . .
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } : أي يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة ، وهو استفهام توبيخي وتوقيفي على محاربهم . { أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } : استعارة للذين منهم الإيمان ، وأم منقطعة بمعنى بل ، والهمزة للتقرير ، ولا يستحيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها ذكر ، ولم يحتج إلى تعريف القلوب ، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر . ولا حاجة إلى تقدير صفة محذوف ، أي أم على قلوب أقفالها قاسية . وأضاف الأقفال إليها ، أي الأقفال المختصة ، أو هي أقفال الكفر التي استغلقت ، فلا تفتح . وقرىء : إقفالها ، بكسر الهمزة ، وهو مصدر ، وأقفلها بالجمع على أفعل . { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى } قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود ، وكانوا عرفوا أمر الرسول من التوراة ، وتبين لهم بهذا الوجه ؛ فلما باشروا أمره حسدوه ، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى . وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ، ثم ماتت قلوبهم . والآية تتناول كل من دخل في ضمن لفظها . .
وتقدم الكلام على { سَوَّلَ } في سورة يوسف . وقال الزمخشري : سول لهم ركوب العظائم ، من السول ، وهو الاسترخاء ، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً . انتهى . وقال أبو علي الفارسي : بمعنى ولا هم من السول ، وهو الاسترخاء والتدلي . وقال غيره : سولهم : رجاهم . وقال ابن بحر : أعطاهم سؤلهم . وقول الزمخشري ، وقد اشتقه إلى آخره ، ليس بجيد ، لأنه توهم أن السول أصله الهمزة . واختلفت المادتان ، أو عين سول واو ، وعين السؤل همزة ؛ والسول له مادتان : إحداهما الهمز ، من سأل يسأل ؛ والثانية الواو ، من سال يسال . فإذا كان