@ 327 @ْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } هذا استفهام إنكار أي : من أراد الله ضلاله ، لا يريد أحد هدايته لئلا تقع إرادته مخالفة لإرادة الله تعالى ، ومَن قضى الله عليه بالضلال لا يمكن إرشاده ، ومن أضل الله اندرج فيه المركسون وغيرهم . ممن أضله الله فكأنه قيل : أتريدون أن تهدوا هؤلاء المنافقين ؟ ومن أضله الله تعالى من غيرهم واندراجهم في عموم من بعد قوله : والله أركسهم ، هو على سبيل التوكيد ، إذ ذكروا أوّلاً على سبيل الخصوص ، وثانياً على سبيل اندراجهم في العموم . وقال الزمخشري : أتريدون أن تجعلوا من جملة المهتدين ؟ من أضله الله من جعله من الضلال وحكم عليه بذلك ، أو خذله حتى ضل انتهى . وهو على طريقته الاعتزالية من أنه لا ينسب إلا ضلال إلى الله على سبيل الحقيقة . .
{ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي : فلن تجد لهدايته سبيلاً . والمعنى : لخلق الهداية في قلبه ، وهذا هو المنفى . والهداية بمعنى الإرشاد والتبيين ، هي للرسل . وخرج من خطابهم إلى خطاب الرسول على سبيل التوكيد في حق المختلفين ، لأنه إذا لم يكن له ذلك ، فالأحرى أن لا يكون ذلك لهم . وقيل : من يحرمه الثواب والجنة لا يجد له أحد طريقاً إليهما . وقيل : من يهلكه الله فليس لأحد طريق إلى نجاته من الهلاك . وقيل : ومن يضلل الله فلن تجد له مخرجاً وحجة . .
{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } مَن أثبت أن لو تكون مصدرية قدره : ودُّوا كفركم كما كفروا . ومَن جعل لو حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، جعل مفعول ودُّوا محذوفاً ، وجواب لو محذوفاً ، والتقدير : ودُّوا كفركم لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ، لسرُّوا بذلك . وسبب ودّهم ذلك إمّا حسداً لما ظهر من علوّ الإسلام كما قال في نظيرتها : { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } وإمّا إيثاراً لهم أن يكونوا عباد أصنام لكونهم يرون المؤمنين على غير شيء ، وهذا كشف من الله تعالى لخبيث معتقدهم ، وتحذير للمؤمنين منهم . وفتكونون معطوف على قوله : تكفرون . .
قال الزمخشري : ولو نصب على جواب التمني لجاز ، والمعنى : ودُّوا كفركم وكونكم معهم شرعاً واحداً فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء انتهى . وكون التمني بلفظ الفعل ، ويكون له جواب فيه نظر . وإنما المنقول أنَّ الفعل ينتصب في جواب التمني إذا كان بالحرف نحو : ليت ، ولو وإلا ، إذا أشربتا معنى التمني ، أما إذا كان بالفعل فيحتاج إلى سماع من العرب . بل لو جاء لم تتحقق فيه الجوابية ، لأن ودّ التي تدل على التمني إنما متعلقها المصادر لا الذواب ، فإذا نصب الفعل بعد الفاء لم يتعين أن تكون فاء جواب ، لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدر على المصدر الملفوظ به ، فيكون من باب : للبس عباءة وتقرّ عيني . .
{ فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } لما نص على كفرهم ، وأنَّهم تمنوا أن تكونوا مثلهم بانت عداوتهم لاختلاف الدّينين ، فهي تعالى أن يوالي منهم أحد وإن آمنوا ، حتى يظاهروا بالهجرة الصحيحة لأجل الإيمان ، لا لأجل حظ الدّنيا ، وإنما غياً بالهجرة فقط لأنها تتضمن الإيمان . وفي هذه الآية دليل على وجوب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة ، ولم يزل حكمها كذلك إلى أن فتحت مكة ، فنسخ بقوله صلى الله عليه وسلم ) : ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا } . وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها ، وإن حكمها لم ينسخ ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك . وإجماع أهل المذاهب على خلافه . قال القاضي أبو يعلى وغيره : من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى : { * } . وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها ، وإن حكمها لم ينسخ ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك . وإجماع أهل المذاهب على خلافه . قال القاضي أبو يعلى وغيره : من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا }