@ 199 @ لوارثه ، أو بالثلث ، أو يحابى به ، أو يهبه ، أو يصرفه إلى وجوه القرب من عتق وشبهه فراراً عن وارث محتاج ، أو يقر بدين ليس عليه . ومشهور مذهب مالك أنه ما دام في الثلث لا بعد مضاراً ، وينبغي اعتبار هذا القيد وهو انتفاء الضرر فيما تقدم من ذكر قوله : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا } { * وتوصون ويوصين } ويكون قد حذف مما سبق لدلالة ما بعده عليه ، فلا يختص من حيث المعنى انتفاء الضرر بهذه الآية المتأخرة . قال ابن عباس : الضرار في الوصية من الكبائر ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ) . وعنه صلى الله عليه وسلم ) من حديث أبي هريرة : ( من ضار في وصيته ألقاه الله في وادي جهنم ) . وقال قتادة : نهى الله عن الضرار في الحياة وعند الممات . .
قالوا : وانتصاب غير مضار على الحال من الضمير المستكن في يوصي ، والعامل فيهما يوصي . ولا يجوز ما قالوه ، لأن فيه فصلاً بين العامل والمعمول بأجنبي منهما وهو قوله : أو دين . لأن قوله : أو دين ، معطوف على وصية الموصوفة بالعامل في الحال . ولو كان على ما قالوه من الأعراب لكان التركيب من بعد وصية يوصي بها غير مضار أو دين . وعلى قراءة من قرأ : يوصَى بفتح الصاد مبنياً للمفعول ، لا يصح أن يكون حالاً لما ذكرناه ، ولأنّ المضار لم يذكر لأنه محذوف قام مقامه المفعول الذي لم يسم فاعله ، ولا يصح وقوع الحال من ذلك المحذوف . لو قلت : تُرسل الرياح مبشراً بها بكسر الشين ، لم يجز وإن كان المعنى يرسل الله الرياح مبشراً بها . والذي يظهر أنه يقدر له ناصب يدل عليه ما قبله من المعنى ، ويكون عاماً لمعنى ما يتسلط على المال بالوصية أو الدين ، وتقديره : يلزم ذلك ماله أو يوجبه فيه غير مضار بورثته بذلك الإلزام أو الإيجاب . وقيل : يضمر يوصي لدلالة يوصي عليه ، كقراءة يسبح بفتح الباء . وقال رجال : أي يسبحه رجال . وانتصاب وصية من الله على أنه مصدر مؤكد أي : يوصيكم الله بذلك وصية ، كما انتصب { لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ اللَّهِ } . .
وقال ابن عطية : هو مصدر في موضع الحال ، والعامل يوصيكم . وقيل : هو نصب على لخروج من قوله : { فَلِكُلّ واحِدٍ مّنْهُمَا السُّدُسُ } أو من قوله : { فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثُّلُثِ } وجوز هو والزمخشري نصب وصية بمضار على سبيل التجوز ، لأن المضارة في الحقيقة إنما تقع بالورثة لا بالوصية ، لكنه ما كان الورثة قد وصى الله تعالى بهم صار الضرر الواقع بالورثة كأنه وقع بالوصية . ويؤيد هذا التخريج قراءة الحسن غير مضار وصية ، فخفض وصية بإضافة مضار إليه ، وهو نظير يا سارق الليلة المعنى : يا سارقي في الليلة ، لكنه اتسع في الفعل فعداه إلى الظرف تعديته للمفعول به ، وكذلك التقدير في هذا غير مضار في : وصية من الله ، فاتسع وعدي اسم الفاعل إلى ما يصل إليه بوساطة في تعديته للمفعول به . .
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } عليم بمن جار أو عدل ، حليم عن الجائر لا يعاجله بالعقوبة قاله : الزمخشري . وفيه دسيسة الاعتزال أي : أنّ الجائر وإن لم يعاجله الله بالعقوبة فلا بد له منها . والذي يدل عليه لفظ حليم هو أن لا يؤاخذ بالذنب كما يقوله أهل السنة . وعلى قولهم يكون هذا الوصف يدل على الصفح عنه البتة . وحسن ذلك هنا لأنه لما وصف نفسه بقوله : عليم ، ودل على اطلاعه على ما يفعله الموروث في مضارته بورثته في وصيته ودينه ، وأنّ ذكر علمه بذلك دليل على مجازاته على مضارته ، أعقب ذلك بالصفة الدالة على الصفح عمن شاء ، وذلك على عادة أكثر القرآن بأنه لا يذكر ما يدل على العقاب ، إلا ويردف بما دل على العفو . وانظر إلى حسن هذا التقسيم في الميراث ، وسبب الميراث هو الاتصال بالميت ، فإن كان بغير واسطة فهو النسب أو الزوجية ، أو بواسطة فهو الكلالة . فتقدّم الأول على الثاني لأنه ذاتي ، والثاني عرض ، وأخّر الكلالة عنهما لأن الاثنين لا يعرض لهما سقوط بالكلية ، ولكون اتصالهما بغير واسطة ، ولأكثرية المخالطة .