النور وقطع المزاج وهذا تناقض ظاهر منهم لا خفاء به وبالله تعالى نتأيد .
وكل ما قدمنا من البراهين على حدوث العالم وإيجاب النهاية في جرمه وأشخاصه وأزمانه فهو لازم الأصلين النور والظلمة على أصول المانية وعلى كل من يقول بأن الفاعل أكثر من واحد وأنه لم يزل مع المفاعل غيره لزوم ضرورة وبالله تعالى التوفيق .
وأما الاستدلال الثاني الذي عولوا فيه على أقسام من يفعل أفعالا مخلفة فهو إستدلال فاسد أيضا لأنهم إنما عولوا فيه على الأقسام الموجودة في العالم وقد قدنا البراهين الضرورية على حدوث العالم وعلى أن محدثه لا يشبه في شيء من الأشياء فلا سبيل إلى أن يدخل تحت شيء من أقسام العالم لكنه تعالى يقعل الأشياء المختلفة والأشياء المتفقة مختارا لكل ذلك وحين شاء لا علة لشيء من ذلك إذ قدمنا أن ما حصرته الطبيعة فهو متناه والمتناهي محدث على قدمنا من أن يكون ذا قوى أو فاعلا بالآت أو فاعلا بإستحالة أو فاعلا في أشياء لأن هذا كله يقتضي أن يكون محدثا تعالى الله عن ذلك وهو لم يزل فقد وجب ضرورة أن يكون الباري تعالى يفعل ما يشاء من مختلف ومتفق مختارا دون علة موجبة عليه شيئا من ذلك ولا بقوة هي غيره وبالله تعالى التوفيق .
وكل ما ألزمنا من يقول أن العالم لم يزل من البراهين الضرورية فهو لازم للمانية والديصانية والمزقونية والقائلين بأزلية الطبائع والهيولي لأن العالم عند هؤلاء ليس هو شيئا غير تلك الأصول التي لم تزل عندهم وإنما حدثت فيهم عندهم الصورة فقط ويدخل أيضا عليهم القول يتناهي الأصلين لأنهما عندهم جسمان والجسم متناه ضرورة لبرهانين نوردهما إن شاء الله تعالى وذلك أننا نقول لا يخلو كل جرم من الأجرام من أن يكون متحركا أو ساكنا فإن كان متحركا أو ساكنا فإن كان متحركا فقد علمنا أن المسافة التي لا تتناهى لا تقطع أصلا لا في زمان متناه ولا في زمان غير متناه ثم لا تخلو حركته من أن تكون أما بإستدارة وأما إلى جهة من الجهات ولا ثالث لهذين الوجهين .
فإن كان متحركا باستدارة وهو غير متناه فهذا محال لأن الخطين الخارجين من الوسط إلى المشرق وإلى العلو غير متناهين إذن فكان يجب أن يكون الجزء الذي في سمت المشرق منه لا يبلغه إلى العلو الذي هو سمت الرأس منه أبدا فقد بطلت الحركة على هذا فهذا إذن متحرك لا متحرك وهذا محال مع مشاهدة العيان لقطع كل جزء من الفلك الكلي جميع مسافته ورجوعه إلى حيث ابتدأ منه في كل أربع وعشرين ساعة .
وإن كان متحركا إلى جهة من الجهات فهذا أيضا محال لأن الحركة نقلة من مكان إلى مكان فإذا وجد هذا الجسم مكانا ينتقل إليه