من ذلك فلا يقال ماكر من أجل أن له مكرا ولاأنه كياد من أجل أنه يكيد وأن له كيدا ولا يسمى مستهزئا من أجل أنه يستهزئ بهم فقد أبطل ما أصلوه من أن كل فعل فإنه يسمى منه وينسب إليه ولا يشغب ها هنا مشغب مع من لا يحسن المناظرة فيقول إنما قلنا أنه يكيد ويستهزئ ويمكر وينسى على المعارضة بذلك فإنا نقول له صدقت ولم نخالفك في هذا لكن ألزمناك أن تسميه تعالى كيادا وماكرا ومستهزئا وناسيا على معنى المعارضة كما تقول فإن أبي من ذلك وقال أن الله تعالى لم يسم بشيء من ذلك نفسه فقد رجع إلى الحق ووافقنا في أن الله تعالى لا يسمى ظالما ولا كافرا ولا كاذبا من أجل خلقه الظلم والكفر والكذب لأنه تعالى لم يسم بذلك نفسه وإن أنكر ذلك تناقض وظهر بطلان مذهبه .
قال أبو محمد وقد وافقونا على أن الله تعالى خلق الخمر وحبل النساء ولا يجوز أن يسمى خمارا ولا محبلا وأنه تعالى خلق أصباغ القمارى والهداهد والحجل وسائر الألوان ولا يسمى صباغا وأنه تعالى بنى السماء والأرض ولا يسمى بناء وأنه تعالى سقانا الغيث ومياه الأرض ولا يسمى سقاء ولا ساقيا وأنه تعالى خلق الخمر والخنازير وإبليس ومردة الشياطين وكذلك كل سوء وسيء وخبيث ورجس وشر ولا يسمى من أجل ذلك مسيئا ولا شريرا فأي فرق بين هذا كله وبين أن يخلق الشر والظلم والكفر والكذب ومعاصي عباده ولا يسمى بذلك مسيئا ولا ظالما ولاكافرا ولا كاذبا ولا شريرا ولا فاحشا والحمد لله على ما من به من الهدى والتوفيق وهو المستزاد من فضله لا إله إلا هو ويقال لهم أيضا أنتم تقرون بأنه خلق القوة التي بها يكون الكفر والظلم والكذب وهيأها لعباده ولا يسمونه من أجل ذلك يغريا على الكفر ولا معينا للكافر في كفره ولا مسببا للكفر ولا واهبا للكفر وهذا بعينه هو الذي عبتم وأنكرتم يقال لهم أيضا أخبر عن تعذيبه أهل جهنم في النيران أمحسن هو بذلك إليهم أم مسيء فإن قالوا بل محسن إليهم قالوا الباطل وخالفوا أصلهم وسألناهم أن يسألوا الله D لأنفسهم ذلك الإحسان نفسه وإن قالوا أنه مسيء إليهم كفروا به وإن قالوا ليس مسيئا إليهم قلنا لهم فهم في إساءة أو في إحسان فإن قالوا ليسوا في إساءة كابروا العيان وإن قالوا بل هم في إساءة قلنا لهم هذا الذي أنكرتم ان يكون منه تعالى إليهم حال هي غاية الإساءة ولا يسمى بذلك مسيئا وأما نحن فنقول لهم انهم في غاية المساءة والإساءة والسخط إليهم وعليهم وليس السخط إحسانا إلى المسخوط عليه وكذلك اللعنة للملعون وأنه تعالى محسن على الإطلاق ولا نقول أنه مسيء أصلا وبالله تعالى التوفيق والأصل في ذلك ما قلناه من أنه لا يجوز أنه يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه ولا يخبر عنه إلا بما أخبر به عن نفسه ولا مزيد فإن قالوا إذا جوزتم أن يفعل الله تعالى فعلا ما هو ظلم بيننا ولا يكون بذلك ظالما فجوزنا أن نخبر بالشيء على خلاف ما هو ولا يكون بذلك كاذبا وأن لا يعلم ما يكون ولا يكون بذلك جاهلا وأن لا يقدر على الشيء ولا يكون بذلك عاجزا قيل لهم وبالله تعالى التوفيق هذا محال من وجهين أحدهما اننا قد أوصحنا أنه ليس في العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتة وإنما الظلم بالإضافة فيكون قتل زيد إذا نهى الله عنه ظلما وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا وأما الكذب فهو كذب لعينه وبذاته فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب إلا أنه لا يكون ذلك إثما ولا مذموما إلا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذم فقط