خلقه بدلا من كل شيء بدل البيان فهذه القراءة حجة عليهم لأن معناها أن الله تعالى أحسن خلقه لكل شيء وصدق الله عزو جل وهكذا نقول آن خلق الله تعالى لكل شيء حسن والله تعالى محسن في كل شيء والقراءة الأخرى خلقه بفته اللام وهذا أيضا لا حجة لهم فيها لأنه ليس فيها إيجاب لأن ها هنا شيئا لم يخلق الله D ومن ادعى أن هذا في اقتضاء الآية فقد كذب وإنما يقتضي لفظة الآية أن كل شيء فالله خلقه كما في سائر الآيات والله تعالى أحسنه إذ خلقه وهذا قولنا وكذا نقول أن لإنسان لا يفعل شيئا إلا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر وكل هذه كيفيات وأعراض حسن خلقها من الله D قد حسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجساد وإنما قبح ما قبح من ذلك من الإنسان لأن الله تعالى سمى وقوع ذلك أو بعضها ممن وقعت منه قبيحا وسمى بعض ذلك حسنا كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة إيمانا ثم سماها تعالى قبيحة كفرا وهذه تلك الحركة نفسها فصح أنه ليس في العالم شيء حسن لعينه ولا شيء قبيح لعينه لكن ما سماه الله تعالى حسنا فهو حسن وفاعله محسن قال الله تعالى إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وقال تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وما سماه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة وقد سمى الله تعالى خلقه لكل شيء في العالم حسنا فهو كله من الله تعالى حسن وسمى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء فبعض ذلك قبحه فهو قبيح وبعض ذلك حسنه فهو حسن وبعد ذلك قبحه ثم حسنه فكان قبيحا ثم حسنا وبعض ذلك حسنه ثم قبحه فكان حسنا ثم قبح كما صارت الصلاة إلى الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة كذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى فيهم كالوطء قبل النكاح وبعده وكسبي من نقض الذمة وسائر الشريعة كلها وقد اتفقت المعتزلة معنا على أن خلق الله تعالى للخمر والخنازير والحجارة المعبودة من دونه حسن بلا شك وهو سماه قبائح وأرجاسا وحراما ونجسا وسيئا وخبيثا وهكذا القول في خلقه للأعراض في عباده ولا فرق وكذلك وافقنا أكثرهم على أنه تعالى خلق فساد الدماغ والجنون المتولد منه والجذام والعمى والصمم والفالج والحدبة والأدرة وكل هذا من خلق الله تعالى له حسن وكله فيما بيننا قبيح رديء جدا يستعاذ بالله منه وقد نص الله تعالى على أنه خلق المصائب كلها فقال عزو جل ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أن ذلك على الله يسير فنص تعالى على أنه برأ المصائب كلها وبرأ هو خلق بلا خلاف من أحد ولا فرق بين إلزامهم إيانا أن الله تعالى أحسن الكفر والظلم والجور والكذب والقبائح إذ خلق كل ذلك وبين إقرارهم معنا أن الله تعالى قد أحسن الخمر والخنازير والدم والميتة والعذرة وإبليس وكل ما قال إنا إله من دون الله تعالى والأوثان المعبودة من دون الله تعالى والمصايب كلها والأمراض والعاهات إذ خلق كل ذلك فأي شيء قالوه في هذه الأشياء فهو قولنا في خلق الله تعالى للكفر به ولشتمه والظلم والكذب ولا فرق كل ذلك قد أحسن الله خلقه إذ حركه أو سكونا أو ضميرا في النفس وسمى ظهوره من العبد قبيحا موصوفا به الإنسان وأما قوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فلا حجة لهم في هذا أيضا لأن التفاوت المعهود هو مانافر النفوس أو خرج عن المعهود فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتا فليس ذا التفاوت الذي نفاه الله تعالى عن خلقه فإذ ليس هو هذا