بفكره وأنه أبو عُذْره ثم لا ترى الحسنَ وتلك الغرابة كانا إلا لِما بناهُ على الجملةِ دونَ نفسِ الجملةِ . ومثالُ ذلك قولُ الفرزدق - الطويل - : .
( وما حَمَلتْ أمُّ امرىءٍ في ضُلوعِها ... أعقَّ منَ الجاني عَليها هِجائيا ) .
فلولا أن معنى الجملة يصيرُ بالبناءِ عليها شيئاً غيرَ الذي كان ويتغيَّر في ذاتِه لكان محالاً أن يكونَ البيتُ بحيثُ تراه من الحُسْنِ والمزيّة . وأن يكونَ معناه خاصاً بالفرزدقِ وأن يقضيَ له بالسبق إليه إذ ليس في الجملة التي بُني عليها ما يوجب شيئاً من ذلك فاعرفه .
والنكتة التي يجب أن تُراعَى في هذا أنه لا تتبينُ لك صورةُ المعنى الذي هو معنى الفرزدق إلاّ عند آخرِ حرفٍ من البيت . حتى إن قطعتَ عنه قولَه : " هجائياً " بل الياء التي هيَ ضمير الفرزدق لم يكن الذي تعقلُه منه ممَّا أراده الفرزدق بسبيل لأن غرضه تهويلُ أمر هجائه والتحذيرُ منه . وأنّ من عرَّض أمَه له كان قد عرَّضَها لأعظم ما يكونُ من الشرِّ . وكذلك حكمُ نظائِرهِ من الشِّعْرِ . فإِذا نظرتَ إلى قول القُطامي - البسيط - : .
( فهنَّ يَنْبُذنَ من قولٍ يُصبْنَ بهِ ... مَواقعَ الماءِ من ذي الغُلَّةِ الصَّادي ) .
وجدتُك لا تحصلُ على معنًى يصحُّ أن يقالَ إنه غرضُ الشاعرِ ومعناه إلاّ عند قولهِ : " ذي الغلة " . ويزيدك استبصاراً فيما قلناه أن تنظرَ فيما كانَ من الشِّعْرِ جُملاً قد عُطِفَ بعضُها على بعضٍ بالواو كقوله - الكامل - : .
( النَّشرُ مِسْكٌ والوجوه دنانيرُ ... وأطرافُ الأكفِّ عَنَمْ ) .
وذلك أنك ترى الذي تعقِلُه من قولِه : " النَشرُ مسكٌ " لا يصيرُ بانضمام قوله : " والوجوهُ دنانيرُ " إليه شيئاً غير الذي كان بل تراه باقياً على حاله . كذلك ترى ما تعقلِ من قولِه " والوجوهُ دنانيرُ " لا يلحَقُه تغيرُ بانضمام قوله : " وأطرافُ الأكفِّ عَنم " إليه