وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الإيماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه وإن أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به وعسى أن يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله .
وأما قولك أيها الملك يئدون أولادهم فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج .
وأما قولك إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا احتقارا لها فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها اكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها ألبانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة وإنه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه .
وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم إلانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والوطث بالعسف