وكان بها ابن دَأب يَضَعُ الشعر وأحاديثَ السَّمر وكلاماً ينسُبه إلى العرب فسقط وذهب علمه وخَفيت روايته وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دَأْب يكنى أبا الوليد وكان شاعراً وعلْمُه بالأخبار أكثر .
وممن كان يجري مجرى ابن دَأْب الشَّرْقيّ بن القطَامي وكان كذاباً قال أبو حاتم : حدثنا الأصمعي قال : حدثنا بعض الرواة قال : قلت للشرقي : ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها قال : لا أدري قلت : فاكْذب له قال : كانوا يقولون : رُوَيْدَك حتى تبعث الخلقَ بَاعثة فإذا أنا به يوم الجمعة يحدث به في المقصورة .
وممن كان بالمدينة أيضاً عليّ الملقب بالجمل وَضَع كتاباً في النحو لم يكن شيئاً .
وأما مكة فكان بها رجل من الموالي يقال له ابن قسطنطين شَدَا شيئاً من النحو ووضع كتاباً لا يُسَاوي شيئاً .
وأما بغداد فمدينة مُلْك وليست بمدينة علْم وما فيها من العلم فمنقول إليها ومجلوب للخُلَفَاء وأتباعهم قال أبو حاتم : أهل بغداد حشو عسكر الخليفة لم يكن بها مَنْ يُوثق به في كلام العرب ولا من تُرْتضى روايته فإن ادَّعى أحد منهم شيئاً رأيته مخلّطاً صاحبَ تطويل وكثرة كلام ومكابرة .
قال أبو الطيب : والأمرُ في زماننا على هذا أضعاف ما عَرَفَ أبو حاتم .
قال : فهذه جملة تعرف بها مراتب علمائنا وتقدمهم في الأزمان والأسنان ومنازلهم من العلم والرواية .
انتهى كلام أبي الطيب في كتاب مراتب النحويين ملخصاً .
وقال ابن جني في كتاب الخصائص : " باب في صدق النَّقَلة وثقة الرُّوَاة والحمَلة " .
هذا موضع من هذا الأمر لا يعرف صحته إلاّ من تصوَّرَ أحوال السلف وعرف مقامهم من التوقير والجلالة واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقادُه له وعلم أنه لم يوفَّق لاختراعه وابتداء قوانينه وأوضاعه إلاّ البَرّ عند الله سبحانه الْحَظيظ بما