الى الكلام والى رجز يوم الخطام او حين ان يمتح على رأس بئر او يحدو ببعير او عند المقارعة والمناقلة او عند صراع او في حرب فما هو الا ان يصرف وهمه الى جملة المذهب والى العمود الذي اليه يقصد فتأتيه المعاني ارسالا وتنثال عليه الالفاظ انثيالا ثم لا يقيده على نفسه ولا يدرسه أحدا من ولده .
وكانوا أميين لا يكتبون ومطبوعين لا يتكلفون وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر وهم عليه اقدر واقهر وكل واحد في نفسه أنطق ومكانة من البيان أرفع وخطباؤهم أوجز والكلام عليهم اسهل وهو عليهم أيسر من ان يفتقروا الى تحفظ او يحتاجوا الى تدارس وليس هم كمن حفظ علم غيره واحتذى على كلام من كان قبله فلم يحفظوا الا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب وان شيئا من الذي في أيدينا جزء منه لبالمقدار الذي لا يعلمه الا من احاط بقطر السحاب وعد التراب وهو الله الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون .
ونحن أبقاك الله أذا ادعينا للعرب اصناف البلاغة من القصيد والأرجاز ومن المنثور والاسجاع ومن المزدوج وما لا يزدوج فمعنا العلم على ان ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة والرونق العجيب والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم ولا أرفعهم في البيان ان يقول في مثل تلك الا في اليسير والنبذ القليل .
ونحن لا نستطيع ان نعلم ان الرسائل التي في أيدي الناس للفرس أنها صحيحة غير مصنوعة وقديمة غير مولدة اذا كان مثل ابن المقفع وسهل بن هرون وأبي عبيد الله وعبد الحميد وغيلان وفلان وفلان لا يستطيعون ان يولدوا مثل تلك الرسائل ويصنعوا مثل ذلك السير .
وأخرى انك متى أخذت بيد الشعوبي فأدخلته بلاد الاعراب الخلص ومعدن الفصاحة التامة ووقفته على شاعر مفلق او خطيب مصقع علم ان الذي قلت هوالحق وأبصر الشاهد عيانا فهذا فرق مابيننا وبينهم .
فتفهم عني فهمك الله ما أنا قائل في هذا واعلم انك لم تر قوما قط أشقى