فجرى على لسانه ما كان ألفه من الخطاب الدائر في مجاري أمور الكبار أمرا ونهيا وفي الثاني على أنه بعد الصدمة الأولى أفاق شيئا فلم يجد النفس معه فبنى الكلام على الغيبة وفي الثالث على ما سبق أو نبه في الأول على أنها حين لم تثبت ولم تتبصر غاظه ذلك فأقامها مقام المستحق للعتاب فخاطبها على سبيل التوبيخ والتعبير بذلك وفي الثاني على أن الحامل على الخطاب والعتاب لما كان هو الغيظ والغضب وسكت عنه الغضب بالعتاب الأول ولى عنها الوجه وهو يدمدم قائلا وبات وباتت له وفي الثالث على ما سبق .
هذا كلامه ولا يخفى على المصنف ما فيه من التعسف ومن خلاف المقتضى ما سماه السكاكي الأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأولى بحاله أو المهم له أما الأول فكقول القبعثري للحجاج لما قاله له متوعدا بالقيد لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب فإنه أبرز وعيده في معرض الوعد وأراه بألطف وجه أن من كان على صفته في السلطان وبسطة اليد فجدير بأن يصفد لا أن يصفد وكذا قوله له لما قال له في الثانية إنه حديد لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا وعن سلوك هذه الطريقة في جواب المخاطب عبر من قال مفتخرا .
( أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ... وقد رأت الضيفان ينحون منزلي ) .
( فقلت كأني ما سمعت كلامها ... هم الضيف جدي في قراهم وعجلي )