وذهبت السنة الحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى فلذلك سمي عروة الصعاليك فقال في ذلك بعض السنين وقد ضاقت حاله .
( لعلّ ارتيادِي في البلاد وبُغيتي ... وشَدِّي حَيازِيمَ المطيَّةِ بالرَّحْلِ ) .
( سيدفَعُني يوماً إلى ربّ هَجْمَةٍ ... يُدَافِعُ عنها بالعُقُوقِ وبالبُخلِ ) .
فزعموا أن الله D قيض له وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاء شديد ناقتين دهماوين فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم وضعفاءهم على الأخرى وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان وكان بين النقرة والربذة فنزل بهم ما بينهما بموضع يقال له ماوان .
ثم إن الله D قيض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه وذلك أول ما ألبن الناس فقتله وأخذ إبله وامرأته وكانت من أحسن النساء فأتى بالإبل أصحاب الكنيف فحلبها وحملهم عليها حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم فقالوا لا واللات والعزى لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا فمن شاء أخذها فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع فأفكر طويلا ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله فأبوا ذلك عليه حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه فقال عروة في ذلك قصيدته التي أولها .
( ألا إن أصحابَ الكَنِيف وجدتُهم ... كما الناس لمّا أمرَعُوا وتَموّلُوا )