( كلَّما كَفْكَفْتُ منِّي عَبْرَةً ... فاضتِ العينُ بمُنْهَلٍّ دِرَر ) .
قال فتلاحيا جميعا فيما صنعناه من هذين الصوتين فقال كل واحد منهما لصاحبه أنا أجود صنعة منك فتنافرا إلى ابن سريج فمضيا إليه بمكة فلما قدماها سألا عنه فأخبرا أنه خرج يتطرف بالحناء في بعض بساتينها فاقتفيا أثره حتى وقفا عليه وفي يده الحناء فقالا له إنا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا في صوتين صنعناهما فقال لهما ليغن كل واحد منكما صوته فابتدأ معبد يغني لحنه فقال له أحسنت والله على سوء اختيارك للشعر يا ويحك ما حملك على أن ضيعت هذه الصنعة الجيدة في حزن وسهر وهموم وفكر أربعة ألوان من الحزن في بيت واحد وفي البيت الثاني شران في مصراع واحد وهو قولك .
( شَرَّ ما طار على شَرِّ الشَّجَرْ ... ) .
ثم قال لمالك هات ما عندك فغناه مالك فقال له أحسنت والله ما شئت فقال له مالك هذا وإنما هو ابن شهره فكيف تراه يا أبا يحيى يكون إذا حال عليه الحول قال دحمان فحدثني معبد أن ابن سريج غضب عند ذلك غضبا شديدا ثم رمى بالحناء من يديه وأصابعه وقال له يا مالك إلي تقول ابن شهره اسمع مني ابن ساعته ثم قال يا أبا عباد أنشدني القصيدة التي تغنيتما فيها فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله .
( تُنْكِر الإِثْمِدَ لا تَعْرِفُه ... غيرَ أن تَسْمَع منه بخَبَرْ )