واتصل البهاء بعده بخدمة الناصر بالشام وله فيه مدائح . ثم رجع إلى القاهرة ولزم بيته يبيع كتبه وموجوده . ثم انكشف حله بالكلية ومرض أيام الوباء ومات . وقيل إنه ترك مكاتبات الديوان في الديوان وفيهما جواب الناصر داود . فحضر الدوادار وطلب الكتب للعلامة والبهاء زهير غائب . فدفعهما إليه فخر الدين بن لقمان فيما أظن فدخل بها إلى السلطان فتأملها وعلم عليها . وكتب بين السطور في جواب الناصر داود : يا بهاء الدين هذا ما يكتب إليه بغير هذا وداهنه ولا تبدي له شيئاً مما عندنا أو قال كلاماً هذا معناه . وفعل الصالح ذلك بناء على أن البهاء زهيراً يقف على الكتاب ويقرأ ما كتبه السلطان ويفك الأوصال ويغير الكتب على ما أراده . ثم إن الدوادار أحضر الكتب إلى الديوان وسفر فخر الدين لقمان القاصد إلى الناصر بجوابه ولم يقف عليه هذا كله وبهاء الدين زهير غائب . فلما وقف الناصر على جواب الصالح ورأى خطه جهز إلى الصالح يقول له : هكذا تكون الملوك وأيمانهم وأنت تبطن خلاف ما تظهر . وذكر له ما كتبه في جوابه بخطه . فلما وقف الصالح على ذلك استشاط غضباً وطلب البهاء زهيراً وقال له : أنا أعلم أنك أنت ما فعلت هذا معي ولكن قل لي من هو الذي اعتمد هذا لأقطع يده . فقال : يا خوند ما فعله إلا أنا . فألح عليه فأصر على الإنكار . فقال له : أنت لك علي حق خدمة وأنا ما آذيك ولكن خل لي هذه البلاد ورح . فخرج من مصر وعطل ولم يقل عن فخر الدين بن لقمان ما فعل . والله أعلم بصحة غضب الصالح عليه .
وكان البهاء زهير فيما يذكر أسود قصيراً شيخاً بذقن مقرطمة وكان غريب الشكل . فكان يسلك مسلك ابن الزبير في وضع الحكايات على نفسه ظرفاً منه ولئلا يدع لأحد عليه كلاماً يتهكم به . وحكاياته في ذلك مشهورة . منها أنه حكى لجماعة الديوان قال : جاءت اليوم امرأة ما رأيت في عمري أحسن منها وراودتني على ذلك الفعل فلما كان ما كان أردت أن أدفع إليها شيئاً من الذهب فقالت : ما فعلت هذا لحاجة ولكن أرأيت في عمرك أحسن مني ؟ فقلت : لا والله . فقالت : إن زوجي يدعني ويميل إلى واحدة ما رأيت في عمري أوحش منها .
فلما عذلته ونهيته وما انتهى أردت مكافأته وقد فتشت هذه المدينة فلم أر فيها أوحش منك ففعلت معك هذا مقابلة لزوجي كونه تركني ومال إلى أوحش من في هذه المدينة . فقلت لها : أنا ها هنا كلما اجتمع زوجك بتلك تعالي أنت إلي .
وأنا أعتقد أن ذلك لم يقع وإنما أراد بهاء الدين زهير بذلك أن يتظرف ويسبق الناس إلى التندير عليه C وسامحه .
وكتابته جيدة قوية مصقولة مليحة منسوبة . رأيت بخطه نسختين بالأمثال للميداني . وخطه عندي على بعض مجلداته .
وذكر القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان أنه اجتمع به وأثنى عليه ثناءً كثيراً في ترجمته في تاريخه . وروى عنه شهاب الدين القوصي عدة قصائد والدمياطي وغيرهما .
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في المعجم قال : أنشدني بهاء الدين أبو الفضائل لنفسه : من الطويل .
وحقكم ما غير البعد عهدكم ... وإن حال حال أو تغير شان .
فلا تسمعوا فينا بحقكم الذي ... يقول فلان عندكم وفلان .
لدي لكم ذاك الوفاء بحاله ... وعندي لكم ذاك الوداد يصان .
وما حل عندي غيركم في محلكم ... لكل حبيب في الفؤاد مكان .
ومن شغفي فيكم ووجدي أنني ... أهون ما ألقاه وهو هوان .
ويحسن قبح الفعل إن جاء منكم ... كما طاب ريح العود وهو دخان .
قال وأنشدني لنفسه : من الوافر .
حبيبي عينه قالوا تشكت ... وذلك لو دروا عين المحال .
أتشكو عينه ألماً وفيها ... يقال أصح من عين الغزال .
ولكن أشبهت لون الحميا ... كما أشبهتها في الفعال .
قال وأنشدني لنفسه : من مجزوء الكامل .
وافى كتابك وهو بال ... أشواق عني يعرب .
قلبي لديك أظنه ... يملي عليك فتكتب .
قال وأنشدني لنفسه : من مجزوء الرمل .
كلما قلت خلونا ... جاءنا الشيخ الإمام .
فاعترفنا كلنا من ... ه انقباض واحتشام .
فهو في المجلس فدم ... ولنا فهو فدام .
وعلى الجملة فالشي ... خ ثقيل والسلام