- مما رواه الأئمة في الإخلاص مرفوعا قوله A : من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة . فارقها والله عنه راض .
رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين .
وروى البيهقي مرسلا : أن رجلا قال : يا رسول الله ما الإيمان ؟ قال : الإخلاص قال : فما اليقين ؟ قال : الصدق .
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد : أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله أوصني قال : أخلص نيتك يكفك العمل القليل .
وروى البيهقي مرفوعا : طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء . [ في جميع النسخ " عظماء " وإنما تم ضبطه هنا " ظلماء " كما ورد في الجامع الصغير في الحديث رقم 5289 ، وحيث ذكر الشيخ محمود الرنكوسي في درسه أثناء قراءة الكتاب في دار الحديث بدمشق : " المحفوظ ظلماء " . ] .
وروى البيهقي والبزار مرفوعا : إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا خير شريك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو لشريكي وأنا بريء يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله منها شيء .
وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد مرفوعا : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه .
وروى الطبراني مرفوعا : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله .
وروى البيهقي مرفوعا عن عبادة بن الصامت قال : يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله D فيمتازوا ويرمي ما عداه في النار .
قال الحافظ المنذري : وقد يقال إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع .
وروى الحافظ ورزين العبدري مرفوعا مرسلا : من أخلص لله تعالى أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
قال الحافظ المنذري ولم أقف لهذا الحديث على إسناد صحيح ولا حسن ولا على ذكره في شيء من الأصول التي جمعها رزين . والله أعلم .
[ وقال الأستاذ المحدث الشيخ محمود الرنكوسي أثناء قراءة هذا الكتاب أن كلام المنذري لا يعني أن غيره لم يقف على ذلك . وفيما يلي بيان ذلك وأن الحديث ضعيف يعمل به في فضائل الأعمال : .
الحديث 8361 من الجامع الصغير : من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه . رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب . تصحيح السيوطي : ضعيف .
الحديث 5271 من كنز العمال : من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه . رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب .
وهذا غير رواية : " من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه " أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما سيأتي .
قال في الحديث 6193 في كنز العمال : من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه . ( عد ) عن أبي موسى . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال الذهبي في الميزان باطل .
وقال في كشف الخفاء تحت رقم 2361 : .
من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن أبي أيوب .
وقال في اللآلئ : رواه أحمد وغيره عن مكحول مرسلا بلفظ من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وروى مسندا من حديث ابن عطية عن ثابت عن أنس بسند فيه يوسف ضعيف لا يحتج به انتهى .
ورواه القضاعي عن ابن عباس مرفوعا قال كأنه يريد بذلك من يحضر العشاء والفجر في جماعة قال ومن حضرها أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتب الله له براءتين براءة من النار وبراءة من النفاق .
ورواه أبو الشيخ في ثواب عن أنس بلفظ : من أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين صباحا كتب الله له - الحديث .
وروى ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي موسى رفعه : ما من عبد يخلص لله أربعين يوما - الحديث . والمشهور على الألسنة صباحا بدل يوما . وأورده الصغاني بلفظ : من أخلص لله أربعين صباحا نور الله تعالى قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه . وقال أنه موضوع .
انتهى ما في كشف الخفاء .
دار الحديث ] .
وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا : قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما ولسانه صادقا ونفسه مطمئنة وخليقته مستقيمة وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة .
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إنما الأعمال بالنية ] ] وفي رواية : [ [ بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ] ] .
وروى ابن ماجه بإسناد حسن مرفوعا : [ [ إنما يبعث الناس على نياتهم ] ] وفي رواية : [ [ إنما يحشر الناس على نياتهم ] ] .
وروى مسلم مرفوعا : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم .
روى الطبراني والبيهقي مرفوعا : إذا كان آخر الزمن صارت أمتي ثلاث فرق : فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله رياء وفرقة يعبدون الله تعالى ليستأكلوا به الناس فيقول الله D للمخلصين اذهبوا بهم إلى الجنة ويقول للآخرين امضوا بهم إلى النار .
وروى الحافظ أبو نعيم عن عائشة Bها أنها كانت تقول : من رأى نفسه من المخلصين كان من المرائين ومن رأى نفسه من المرائين كان من المخلصين .
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة وسيأتي في أوائل قسم المنهيات نبذة صالحة عما جاء في الرياء وعدم الإخلاص في العمل والعلم فراجعه . والله أعلم .
قلت : فقد بان لك أن من لم يخلص في عمله وعلمه فهو من الأخسرين أعمالا ويشهد لذلك أيضا قرائن الأحوال التي جاءت بها الأحاديث في سياقها وجميع ما ورد في فضل العلم والعمل إنما هو في حق المخلصين فيه .
فإياك يا أخي والغلط فإن الناقد بصير وقد كثر في هذا الزمان أقوام لا يعملون بعلمهم وإذا نازعهم إنسان في دعواهم في قولهم نحن من أهل العلم استدلوا بما جاء في فضل طلب العلم مطلقه من غير شرط إخلاص فيقال لمثل هؤلاء فأين الآيات والأخبار والآثار الواردة في حق من لم يعمل بعلمه ولم يخلص ؟ فلا تغالط يا أخي وتدعي الإخلاص في علمك وعملك من غير تفتيش فإنه غش .
وقد سمعت سيدي عليا الخواص C يقول في معنى حديث " إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " : هذا الرجل يتعلم العلم رياء وسمعة فيعلم الناس أمور دينهم ويفقههم ويحرسهم وينصر الدين إذا ضعف جانبه ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك النار لعدم إخلاصه .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نرجو من فضل ربنا الوفاء وأن نخلص النية لله تعالى في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا ونخلص سائر الشوائب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا ثوابا على ذلك وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك طريق القوم على يد شيخ صادق متبحر في علوم الشريعة بحيث يقرر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها ويعرف أدلتها ومنازع أقوالها ويقف على أم الكتاب التي يتفرع منها كل قول فيشتغل من يريد الإخلاص في أعماله بذكر الله D حتى ترق حجب بشريته ويدخل حضرة الإنسان التي يعبد الله تعالى فيها كأنه يراه وهناك يشهد العمل كله خلقا لله D ليس للعبد فيه مدخل إلا كونه محلا لبروز ذلك العمل لا غير لأن الأعمال أعراض والأعراض لا تظهر إلا في الجسم وهناك يذهب من العبد الرياء والكبر والعجب وسائر الآفات لأن هذه الآفات إنما تجيء للعبد من شهود كونه فاعلا لذلك العمل مع غفلته عن شهود الخلق له ومعلوم أنه لا يصح الرياء والتكبر والعجب من العبد بعمل غيره أبدا وما رأينا أحدا نام إلى الصباح وأصبح يرائي أو يعجب أو يتكبر بفعل جاره القائم طول الليل أبدا فعلم أن من لم يصل إلى دخول حضرة الإحسان ويشهد أعماله كلها خلقا لله تعالى كشفا ويقينا لا ظنا ولا تخمينا فهو معرض للوقوع في الرياء ولو حفظ ألفي كتاب .
فاطلب يا أخي شيخا صادقا إن طلبت الترقي إلى مقام الإخلاص ولا تسأم من طول طلبك له فإنه أعز من الكبريت الأحمر فإنه من أقل شروطه التورع عن أموال الولاة وأن لا يكون له معلوم في بيت المال ولا مسموح ولا هدية من كشف ولا شيخ عرب ولا شيخ بلد بل يرزقه الله تعالى من حيث لا يحتسب ويستخلص له الحلال الصرف من بين فرث الحرام ودم الشبهات وإلا فقد أجمع أشياخ الطريق كلهم على أن من أكل الحرام والشبهات لا يصح له إخلاص في عمل لأنه لا يخلص إلا إن دخل في حضرة الإحسان ولا يدخل حضرة الإحسان إلا المطهر من سائر النجاسات الباطنة والظاهرة لأن مجموع أهل هذه الحضرة أنبياء وملائكة وأولياء وهؤلاء من شروطهم العصمة والحفظ من تناول الحرام والشبهات فكل شيخ لم يصح له الحفظ في نفسه فهو عاجز عن توصيل غيره إلى تلك الحضرة اللهم إلا أن يمن الله تعالى على بعض المريدين بالجذب دون السلوك المعهود فذلك لا مانع منه فعلم أنه يجب على كل طالب علم لم يصل إلى الإخلاص أن يتخذ له شيخا يعلمه طريق الوصول إلى درجة الإخلاص من باب : ما لا يتم الواجب فهو واجب قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } .
أي يقيموا الصلاة من العوج كالغفلة عن الله تعالى فيها ويؤتوا الزكاة يعني بلا علة ثواب ولا خوف عقاب بل امتثالا لأمر الله تعالى كالوكيل في مال موكله .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : من أقل درجات الإخلاص أن يكون في أعماله كالدابة المحملة فهي تعبانة من ثقل أحمالها منكسة الرأس لا تعلم بنفاسة ما هي حاملته ولا بخسته ولا تعلم هو لمن ولا إلى أين ينتهي حملها ؟ ولا ترى لها بذلك فضلا على غيرها من الدواب ولا تطلب على حملها أجرا .
وسمعته يقول : إذا راءى العبد بعلمه وعمله حبط عمله بنص الكتاب والسنة وإذا حبط عمله فكأنه لم يعمل شيئا قط فكيف يرى نفسه بذلك على الناس مع توعده بعد الإحباط بالعذاب الأليم فلينتبه طالب العلم لمثل ذلك .
قلت : وكذلك ينبغي للفقير المنقطع في كهف أو زاوية أن يتفقد نفسه في دعواها الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى فإن رآها تستوحش من ترك تودد الناس إليها وغفلتهم عنها فهو كاذب في دعواه الانقطاع إلى الله تعالى فإن الصادق يفرح إذا غفل عنه الناس ونسوه فلم يفتقدوه بهدية ولا سلام ويفرح إذا انقلب أصحابه كلهم عنه واجتمعوا بشيخ آخر مرشد كما بسطنا الكلام على ذلك في كتاب [ عهود المشايخ ] . والله أعلم