ملك الموت فيقبض روحك .
فلو كشف للناس عن أبصارهم فرأوه حين يثب عليك وشاهدوه في الباطن حين يأخذ روحك لما كان بينه وبين إنسان يقتلك في الظاهر فرق إلا أن الإنسان يحتاج إلى آلة يقتل بها من سيف أو سكين أو غير ذلك والملك لا يحتاج إلى شيء من ذلك .
فإن أخذك إنسان وروعك وحبسك للقتل وهددك ثم قتلك فاجعل ذلك الألم الذي تجده من حبسه وترويعه وتهديده كالذي يصيبك من المرض أو مما كان من العلل قبل الموت ثم تموت .
ومعلوم أن من الأمراض ما يقوم ألمه مقام التهديد والوعيد بل منها ما هو أشد وأشق كوجع الاحتقان ووجع الحصى وغيرهما وقد شوهد من الناس من مات من وجع الحصى ووجع الاحتقان .
وليس القتل الذي هو الضرب بشيء على يد مخلوق ولا ما يكون على يد غير المخلوق كالهدم والغرق والحرق وغير ذلك مما يزيد في شدة الموت ويكثر من ألمه ووجعه لأن هذه كلها أسباب للموت والموت شيء آخر وهو أمر إلهي ينزل بالروح لا يعلم حقيقته إلا الذي ينزل به .
قال أبو حامد C اعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها على الحقيقة إلا من ذاقها ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس على الآلام التي أدركها وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه لا يحس بالألم فإذا كان فيه الروح أحس فالمدرك للألم هو الروح فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم والمؤلم يتفرق على اللحم والدم وسائر الأجزاء فلا يصيب الروح إلا بعض الأثر فإن كان في الألم ما يباشر نفس الروح ولا يلاقي غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده