وربما وعد نفسه ومناها وطمعها في التوبة ورجاها وقال لو جئت من هذه السفرة أو لو بنيت هذه الدار أو لو جمعت ما كان لي متفرقا أو لو جهزت هذه البنت أو هذا الولد وأدخلته بيته ونظرت له فيما يعيش به لتفرغت للنظر لنفسي وقدمت ما أجده في رمسي وكنت من داري إلى مسجدي ومن مسجدي إلى داري ولا أنظر في شيء ولا اشتغل في شيء .
فإن جاء من سفرته تجهز لغيرها وإن فرغ من بنيان داره نظر فيما يصلح لها وإن جمع ماله نظر في تفريقه في الوجه الذي ينميه ويزيد فيه وإن جهز ولدا بقي له آخر وإن لم يكن له آخر قال ما تريد تريد أن آكل ما عندي وأرجع إلى ولدي حتى يطعمني ويكسوني ويعولني لا يكون هذا أبدا الموت في القفار ولجج البحار أهون علي من هذا فهو هكذا أبدا لا مع المال ولا دون المال ولا مع الولد ولا دون الولد .
يحدث الناس عن الأموات ولا يحدث نفسه أنه يموت ويشيع جنائزهم ولا يتخيل أن جنازته تشيع ويقدر لنفسه العيش الطويل ولا يقدر لها الموت القريب قد غلب عليه السهو وأطبقه الجهل وسدت عليه الغفلة طرق الإنابة وصرفته عن أسباب الفكرة .
كم رأى من إنسان قد أعد ثوبا ليلبسه فكان كفنه وكم رأى ممن يبني دارا ليسكنها فكانت قبره وكم رأى من آخر كان يحب الولد ويشتهيه ويتضرع إلى الله D ويرغب إليه فيه فلما أعطيه ومن عليه بن جمع عليه الرجال وأنفق عليه الأموال وقال العقيقة سنة والنفقة فيها حسنة وربما كانت إلى الإسراف أقرب وإلى التبذير أميل وربما كانت نفقته سببا للمناكر وسلما لبعض المعاصي على روية منه ومشاهدة لذلك كما جرت العادة في الأعراس والولائم والاجتماعات فيجعل الإسراف شكرا لتلك النعمة والمعصية جزاء لتلك المنة .
ولعل الولد يموت بعد ذلك بأيام أو بأشهر أو بأعوام أو يعيش فيرى فيه من الأمراض والأسقام وأنواع الابتلاء والامتحان ما يود معه أنه هو لم يكن فكيف ولده هذا أمر مشاهد في العيان موجود بالبرهان ولعله إن شب