وأسباب الموت أكثر من أن أحصيها لك وأعدها عليك ولا تدري ما السبب الواصل إليك منها ولا النصيب الذي قسم لك من جملتها وإنك لا تدري متى يهجم عليك الموت فيقصمك ولا متى ينزل بك فيحطمك ولعله لا يمهلك حتى ينقضي نفسك .
فأنت إذا واظبت على هذا تمكن ذكر الموت من قلبك وملكت القياد من نفسك ونظرت بعون الله D في أمرك ومهدت المضجع من قبرك وأعددت به الأنيس ليوم حشرك .
وإلا فقد نبه من حذر وأعذر من أنذر ولا لوم إلا على المقصر والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولعلك تقول يا هذا قد أرعدت في ذكر الموت وأبرقت وطولت فيه وعرضت وعرضت في كلامك بمن عرضت وأمرت بالتفكير فيه والاشتغال بذكره وجمع الهمم له وتقصير الأمل والخوف من انقضاء الأجل .
وأي فائدة في ذكر الموت وأنواعه وضيق العمر واتساعه وهذا أمر قد فرغ منه وأعجزت الحيلة فيه .
وكما تقول لي لا تكثر الاشتغال بأمر الرزق ولا تغتم له ولا تتفكر فيه فإنه مقدر مفروغ منه وما ترزق يأتيك فكذلك الموت أيضا وأسبابه والعمر ومدته وكل ذلك أمر مقدر مفروغ منه ما قدر علي يصيبني وما كتب علي يأتيني .
فأقول نعم كلاهما قد سبق في الأزل وكتب في القسم الأول والسبب الذي كتب عليك في الموت لن تتعداه والعمر الذي قسم لك لن تتخطاه .
ولكن بين الأمرين في الاشتغال بهما فرقان وذلك أن الرزق المقدر المفروغ منه لا يزيد فيه حرصك وكذا لا ينقص منه كسلك وعجزك وإن كانت له أسباب ولطلبه أبواب فقد تتعلق بأسبابه وتأتيه في الظاهر من أبوابه فتكون أحد المحرومين والمجتهدين والمجدودين فهذا أمر قد شوهد بالعيان وعلم به كل إنسان فلا يفيدك الطلب إلا العناء والتعب