الأمداد قد ملك البلاد وقهر العباد ووصل من دنياه إلى كثير مما أراد قعد ونهض وأبرم ونقض وجعل أمره المفترض وحكمه الذي لا يرد ولا ينقض وطالما حرق وهدم وكسر وحطم وزلزل ودمدم واسترحم فلم يرحم ومضى على ما شاء من رأيه وصمم .
بنى المدائن والحصون وأكثر من ماله المخزون واستعد لما قد يكون أو لا يكون حتى إذا استحكمت له الأمور وأطال الفرح والسرور وزخرف الدساكر والقصور وظن أن قد ساعده فيما بقي من أمله المقدور قلبت له الدنيا ظهر المجن وكسته من خطبها ما أجن وسقته من كربها ما يسكر به ويجن نظرت بعينها الشوساء إليه وقبضت ما كان في يديه وأتت بنيانه من قواعده فألقته عليه فأصبح وقد هدم ذلك البنيان وسقط ذلك الإيوان وتبددت تلك المقاتلة والفرسان وتفرقوا شذر مذر بكل مكان وأصبح كل ما كان كأنه ما كان وقيل ملك في سالف الزمان ملك يقال له فلان بن فلان لم يحصل مما ملك من البلاد ولا ما ادخر من المال وأعد من العتاد إلا على حنوط وكفن وحفرة ضيقة العطن يحتبس فيها ويرتهن بكل ما عمل من قبيح أو حسن .
وأنشدوا .
( يا باني القصر الكبير ... بين الدساكر والقصور ) .
( ومجرد الجيش الذي ... ملأ البسيطة والصدور ) .
( ومدوخ الأرض التي ... أعيت على مر الدهور ) .
( أما فزعت فلا تدع ... بنيان قبرك في القبور ) .
( وانظر إليه تراه كيـ ... ف إليك معترضا يشير ) .
( واذكر رقادك وسطه ... تحت الجنادل والصخور ) .
( قد بددت تلك الجيو ... ش وغيرت تلك الأمور ) .
( واعتضت من لين الحريـ ... ر خشونة الحجر الكبير الأمور ) .
( وتركت مرتهنا به ... لا مال ويك ولا عشير )