( ولا احتيال ولا افتداء ... لا برفيع ولا بدون ) .
( فخلني عاذلي وشأني ... فليس شأني من ذي الشئون ) .
واعلم أن الجنازة تمر بالإنسان ولا يدري حالها ولا يتبين حقيقة مصيرها وإنما يرجى لها بحسب ما ظهر منها من الطاعات ويخاف عليها بحسب ما بدا منها من المخالفات وإن لها كلاما لو سمعه الإنسان لا نصدع له حجاب قلبه وشغله عن بنيه وأهله بل أذهله عن النظر في خاصة نفسه .
ذكر البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله A إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلتي أين تذهبون بي يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق .
وهما ميتان فميت يستريح من تعب هذه الدار ويفضي إلى راحة دار القرار وميت يستريح منه البلاد والعباد ويفضي إلى سوء المصير وبئس المهاد .
ذكر أبو قتادة قال مر على رسول الله A بجنازة فقال مستريح أو مستراح منه فقالوا يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وإيذائها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب .
وذكر هذا الحديث مسلم بن الحجاج وغيره .
وربما يكون منا من يهتز عند رؤية الجنازة ويرتاع عند مشاهدتها ثم لا يلبث أن يعود إلى حاله إلا بمقدار ما يكون بين يديه أو ساعة تمر عليه .
قال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعرا فاطلعت جنازة فأمسك وقال شيبتني والله هذه الجنائز وأنشأ يقول .
( تروعنا الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تذهب مدبرات )