فالسؤال واجب فيها أصلا مسألة إذا حضر طعام إنسان علم أنه دخل في يده حرام من إدرار كان قد أخذه أو وجه آخر ولا يدرى أنه بقي إلى الآن أم لا قله الأكل ولايلزمه التفتيش وإنما التفتيش فيه من الورع ولو علم أنه قد بقى منه شيء ولكن لم يدر أنه الأ قل أو الأكثر فله أن يأخذ بأنه الأقل وقد سبق أن أمر الأقل مشكل وهذا يقرب منه مسألة إذا كان يد المتولى للخيرات أو الأوقاف أو الوصايا مالان يستحق هو أحدهما ولا يستحق الثاني لأنه غير موصوف بتلك الصفة فهل له أن يأخذ ما يسلمه إليه صاحب الوقف نظرفإن كانت تلك الصفة ظاهرة يعرفها المتولي وكان المتولى ظاهر العدالة فله أن يأخذ بغير بحث لأن الظن بالمتولى أنه لا يصرف إليه ما يصرفه إلا من المال الذي يستحقه وإن كانت الصفة خفية وإن كان المتولي ممن عرف حاله أنه يخلط ولا يبالي كيف يفعل فعليه السؤال إذ ليس ههنا يد ولا استصحاب يعول عليه وهو وزان سؤال رسول الله A عن الصدقة والهدية عند تردده فيهما لأن اليد لا تخصص الهدية عن الصدقة ولا الاستصحاب فلا ينجي منه إلا السؤال فإن السؤال حيث أسقطناه في المجهول أسقطناه بعلامة اليد والإسلام حتى لو لم يعلم أنه مسلم وأراد أن يأخذ من يده لحما من ذبيحته واحتمل أن يكون مجوسيا لم يجر له ما لم يعرف أنه مسلم إذ اليد لا تدل في الميتة ولا الصورة تدل على الإسلام إلا إذا كان أكثر أهل البلدة مسلمين فيجوز أن يظن بالذي ليس عليه علامة الكفر أنه مسلم وإن كان الخطأ ممكنا فيه فلا ينبغي أن تلتبس المواضع التي تشهد فيها اليد والحال بالتي لا تشهد .
مسألة له أن يشتري في البلد دارا وإن علم أنها تشتمل على دور مغصوبة لأن ذلك الاختلاط بغير محصور ولكن السؤال احتياط وورع وإن كان في سكة عشر دور مثلا إحداها مغصوب أو وقف لم يجز الشراء ما لم يتميز ويجب البحث عنه ومن دخل بلدة وفيها رباطات خصص بوقفها أرباب المذاهب وهو على مذهب واحد من جملة تلك المذاهب فليس له أن يسكن أيها شاء ويأكل من وقفها بغير سؤال لأن ذلك من باب اختلاط المحصور فلا بد من التمييز ولا يجوز الهجوم مع الابهام لأن الرباطات والمدارس في البلد لابد أن تكون محصورة .
مسألة حيث جعلنا السؤال من الورع فليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه وإنما أوجبنا السؤال إذا تحقق أن أكثر ماله حرام وعند ذلك لا يبالي بغضب مثله إذ يجب إيذاء الظالم باكثر من ذلك والغالب أن مثل هذا لا يغضب من السؤال نعم إن كان يأخذ من يد وكيله أو غلامه أو تلميذه أو بعض أهله ممن هو تحت رعايته فله أن يسأل مهما استراب لأنهم لا يغضبون من سؤاله ولأن عليه أن يسأل ليعلمهم طريق الحلال ولذلك سأل أبو بكر Bه غلامه وسأل عمر من سقاه من إبل الصدقة وسأل أبا هريرة Bه أيضا لما أن قدم عليه بمال كثير فقال ويحك أكل هذا طيب من حيث إنه تعجب من كثرته وكان هو من رعيته لا سيما وقد رفق في صيغة السؤال وكذك قال علي Bه ليس شيء أحب إلى الله تعالى من عدل إمام ورفقه ولا شيء أبغض إليه من جوره وخرقه .
مسألةقال الحارث المحاسبي C لو كان له صديق أو أخ وهو يأمن غضبه لو سأله فلا ينبغي أن يسأله لأجل الورع لأنه ربما يبدو له ما كان مستورا عنه فيكون قد حمله على هتك الستر ثم يؤدي ذلك إلى البغضاء وما ذكره حسن لأن السؤال إذا كان من الورع لا من الوجوب فالورع في مثل هذه الأمور الاحتراز عن هتك الستر وإثارة البغضاء أهم وزاد على هذا فقال وإن رابه منه شيء أيضا لم يسأله ويظن به أنه يطعمه من الطيب