@ 259 @ فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } ، ومنها قوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ * دَاوُودُ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ } ، إلى غير ذلك من الآيات . .
ومن الأحاديث الصحيحة الدالَّة على ذلك قصة حنين الجذع ، الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر ، وهي في صحيح البخاري وغيره . .
ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّه قال : ( إني لأعرف حجرًا كان يسلّم عليّ في مكّة ) ، وأمثال هذا كثيرة . فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنّة إنما يكون بإدراك يعلمه اللَّه ، ونحن لا نعلمه ؛ كما قال تعالى : { وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } ، ولو كان المراد بتسبيح الجمادات دلالتها على خالقها لكنا نفقهه ، كما هو معلوم ، وقد دلّت عليه آيات كثيرة . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، الظاهر أن المراد بالإنسان ءادم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام ، وأن الضمير في قوله : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، راجع للفظ : { الإِنسَانَ } ، مجرّدًا عن إرادة المذكور منه ، الذي هو ءادم . .
والمعنى : أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة { كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، أي : كثير الظلم والجهل ، والدليل على هذا أمران : .
أحدهما : قرينة قرءانيّة دالَّة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذّب ومرحوم في قوله تعالى بعده ، متّصلاً به : { لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ، فدلّ هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب ، والعياذ باللَّه ، وهم المنافقون والمنافقات ، والمشركون والمشركات ، دون المؤمنين والمؤمنات . واللام في قوله : { لّيُعَذّبَ } : لام التعليل ، وهي متعلّقة بقوله : { وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } . .
الأمر الثاني : أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرّد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرءان ، وقد جاء فعلاً في آية من كتاب اللَّه ، وهي قوله تعالى { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَابٍ } ؛