@ 238 @ الصحيحة السالمة من الاختلال . .
تنبيه .
في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف ، وهو أن يقال : إن قول أيوب المذكور في ( الأنبياء ) في قوله ، { إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ } وفي ( ص ) في قوله ، { إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه . مع أن قوله تعالى ، { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } يدل على كمال صبره ؟ .
والجواب أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه ، لا شكوى ولا جزع . .
قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة ، ولم يكن قوله { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } جزعاً . لأن الله تعالى قال : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } بل كان ذلك دعاء منه . والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى ، والدعاء لا ينافي الرضا . قال الثعلبي : سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول : حضرت مجلساً غاصاً بالفقهاء والأدباء في دار السلطان . فسئلت عن هذه الآية الكريمة بعد اجتماعهم على أن قول أيوب كان شكاية وقد قال الله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } فقلت : ليس هذا شكاية ، وإنما كان دعاء . بيانه { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ } والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء . فاستحسنوه وارتضوه . وسئل الجنيد عن هذه الآية الكريمة فقال : عرفه فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال انتهى منه . .
ودعاء أيوب المذكور ذكره الله في سورة ( الأنبياء ) من غير أن يسند مس الضر أيوب إلى الشيطان في قوله : { أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } وذكره في سورة ( ص ) وأسند ذلك الشيطان في قوله : { أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } والنصب على جميع القراءات معناه : التعب والمشقة ، والعذاب : الألم . وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في سورة ( ص ) هذه إشكال قوي معروف . لأن الله ذكر في آيات من كتابه : أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام . كقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } ، وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ