@ 386 @ قوله تعالى : { فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } . أظهر الأقوال أن المراد بقوله ( روحنا ) جبريل . ويدل لذلك قوله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاٌّ مِينُ } ، وقوله : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ } ، وإضافته إلى الله إضافة تشريف وتكريم . قوله تعالى : { لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } . .
تمثله لها بشراً سوياً المذكور في الآية يدل على أنه ملك وليس بآدمي . وهذا المدلول صرح به تعالى في قوله : { إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } . وهذا الذي بشرها به هو الذي قال لها هنا { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً } . وقوله { بَشَراً سَوِيّاً } حالان من ضمير الفاعل في قوله ( تمثل لها ) . قوله تعالى : { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ذلك الروح الذي هو جبريل قال لها إنه رسول ربها ليهب لها ، أي ليعطيها غلاماً أي ولداً زكياً ، أي طاهراً من الذنوب والمعاصي ، كثير البركات . وبين في غير هذا الموضع كثيراً من صفات هذا الغلام الموهوب لها ، وهو عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، كقوله : { إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالاٌّ خِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ } وقوله : { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الاٌّ كْمَهَ والاٌّ بْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } ، إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على صفات هذا الغلام . وقرأ هذا الحرف أبو عمرو وورش عن نافع وقالون عنه أيضاً بخلف عنه ( ليهب ) بالياء المفتوحة بعد اللام أي ليهب لك هو ، أي ربك غلاماً زكياً . وقرأ الباقون ( لأهب ) بهمزة المتكلم أي لأهب لك هو أنا أيها الرسول من ربك غلاماً زكياً . وفي معنى إسناده الهبة إلى نفسه على قراءة الجمهور خلاف معروف بين العلماء . وأظهر الأقوال في ذلك عندي : أن المراد بقول جبريل لها { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً } أي لأكون سبباً في هبة الغلام