فالباغي هو من خرج من طاعة الإمام التى أوجبها الله على عباده ويقدح عليه في القيام بمصالح المسلمين ودفع مفاسدهم من غير بصيرة ولا على وجه المناصحة فإن انضم إلى ذلك المحاربة له والقيام في وجهه فقد تم البغي وبلغ إلى غايته وصار كل فرد من أفراد المسلمين مطالبا بمقاتلته لقوله سبحانه فإن بغت إحداهما الآية وليس القعود عن نصرة المحق من الورع بعد قول الله D فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي .
والحاصل أنه إذا تبين الباغي ولم يلتبس ولا دخل في الصلح كان القعود عن مقاتلته خلاف ما أمر الله به وأما مع اللبس فلا وجوب حتى يتبين المحق من المبطل لكن يجب السعي في الصلح كما أمر الله به وليس من البغي إظهار كون الإمام سلك في اجتهاده في مسألة أو مسائل طريقا مخالفة لما يقتضيه الدليل فإنه ما زال المجتهدون هكذا ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله وقد قدمنا في أول كتاب السير هذا أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وأما قوله أو منع منه فوجهه أن المأمور إذا لم يدفع إلى الإمام ما يجب دفعه إليه فهو باغ من هذه الحيثية وهكذا إذا لم يطعه في واجب أوجبه الله عليه للإمام من جهاد أو ولاية بالحق أو نصيحة وهكذا إذا قام بما أمره إلى الإمام فإنه أقعد نفسه في المقعد الذي لا يصلح له إلا من ثبتت له الإمامة بمبايعة المسلمين فيكون من هذه الحيثية باغيا