- حديث أنس الأول أخرجه أيضا عبد الرزاق وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري وابن ماجه وعن أبي موسى عند النسائي وعن عائشة عند ابن خزيمة وعن المغيرة عند أحمد وابن ماجه وابن حبان وفي رواية للخلال ( وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإبراد ) وعن أبي سعيد عند البخاري وعن عمرو بن عبسة عند الطبراني وعن صفوان عند ابن أبي شيبة والحاكم والبغوي وعن ابن عباس عند البزار وفيه عمرو بن صهبان وهو ضعيف وعن عبد الرحمن بن جارية [ ص 385 ] عند الطبراني وعن عبد الرحمن بن علقمة عند أبي نعيم .
قوله ( فأبردوا بالصلاة ) أي أخروها عن ذلك الوقت وادخلوا بها في وقت الإبراد وهو الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر ويوجد فيه برودة جهنم يقال أبرد الرجل أي صار في برد النهار . وفيح جهنم شدة حرها وشدة غليانها . قال القاضي عياض : اختلف العلماء في معناه فقال بعضهم هو على ظاهره وقيل بل هو على وجه التشبيه والاستعارة وتقديره أن شدة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره قال : والأول أظهر . وقال النووي : هو الصواب لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره انتهى .
ويدل عليه حديث ( أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ) وهو في الصحيح وحديث ( إن لجهنم نفسين ) وهو كذلك .
والأحاديث تدل على مشروعية الإبراد والأمر محمول على الاستحباب وقيل على الوجوب حكى ذلك القاضي عياض وهو المعنى الحقيقي له . وذهب إلى الأول جماهير العلماء لكنهم خصوا ذلك بأيام شدة الحر كما يشعر بذلك التعليل بقوله ( فإن شدة الحر من فيح جهنم ) ولحديث أنس المذكور في الباب .
وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد . وقال أكثر المالكية : الأفضل للمنفرد التعجيل والحق عدم الفرق لأن التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره . وخصه الشافعي بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون المسجد من مكان بعيد لا إذا كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في ظل فالأفضل التعجيل .
وظاهر الأحاديث عدم الفرق وقد ذهب إلى الأخذ بهذا الظاهر أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر ولكن التعليل بقوله ( فإن شدة الحر ) يدل على ما ذكره من التقييد بالبلد الحار .
وذهب الهادي والقاسم وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا وتمسكوا بحديث جابر بن سمرة المذكور في أول الباب وسائر الروايات المذكورة هنالك وبأحاديث أفضلية أول الوقت على العموم كحديث أبي ذر عند البخاري ومسلم وغيرهما قال : ( سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أي العمل أحب إلى الله قال : الصلاة على وقتها ) وبحديث خباب عند مسلم قال : ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي لم يعذرنا ولم يزل شكوانا ) وزاد ابن المنذر والبيهقي : ( وقال : إذا زالت الشمس فصلوا ) وتأولوا حديث الإبراد بأن معناه صلوا أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تعسف يرده [ ص 386 ] قوله ( فإن شدة الحر من فيح جهنم ) وقوله ( فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ) ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد . وأجيب عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوي : منسوخ قال الطحاوي : ويدل عليه حديث المغيرة ( كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا ) فبين أن الإبراد كان بعد التهجير وقال آخرون : إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحر .
وحمل بعضهم حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئا وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفر الشمس فلذلك رخص في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال السابقة عن المغيرة بلفظ : ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإبراد ) وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعده البخاري محفوظا من أعظم الأدلة الدالة على النسخ كما قاله من قدمنا ولو نسلم جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعددة وحديث خباب في مسلم فقط ولا شك أن المتفق عليه مقدم وكذا ما جاء من طرق