- حديث أم سلمة أخرجه أيضا ابن شاهين والترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الآثار ( وفي الباب ) عند عبد الله بن أنيس عند أبي داود والترمذي قوله " عن اختناث الأسقية " بالخاء المعجمة ثم المثناة من فوق بعدها نون وبعد الألف مثلثة أفتعال من الخنث بالخاء المعجمة النون والمثلثة وهو في الأصل الإنطواء والتكسر والإنثناء . والأسقية جمع يقاء والمراد به المتخذ من الأدم صغيرا كان أو كبيرا وقيل القربة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة والسقاء لا يكون إلا صغيرا .
قوله : " واختناثها " الخ وهو مدرج وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري .
قوله : " وزاد " فقال أيوب الخ هذه الزيادة زادها أيضا ابن أبي شيبة ولفظ " شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيتان فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وكذا أخرجه الإسماعيلي .
قوله : " من في السقاء " قال النووي اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه لا للتحريم كذا قال وفي الاتفاق نظر فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال لم يبلغني فيه نهي .
قال الحافظ لم أر في الحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز إلا من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح وإذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه صلى الله عليه وآله وسلم أما أولا فلعصمته وطيب نكهته وأما دخول شيء في فم الشارب فهو يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخله فيه ثم ربطه ربطا محكما ثم شرب منه لم يتناوله النهي .
وقد أخرج الحاكم من حديث عائشة بسند قوي بلفظ " نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه " وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء أما من صب من الفم إلى داخل فمه من غير مماسة فلا . ومن جملة ما علل به النهي أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو يبل ثيابه .
قال ابن العربي واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوي الكراهة جدا .
قال ابن أبي جمرة الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وفيها ما يقتضي التحريم والعادة من مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم .
وقد جزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي وحمل أحاديث الالرخصة على أصل الإباحة . وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز .
قال العراقي لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي .
قال الحافظ ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن الفربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة ولا دلالة في إخبار الجواز على الرخصة مطلقا بل على تلك الصورة وحدها وحملها على حال الضرورة جمعا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ والله أعلم .
قال وقد سبق ابن العربي أن ما أشار إليه العراقي فقال ويحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم في حال ضرورة أما عند الحرب وإما عند عدم الإناء أو مع وجوده لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الإناء ثم قال ويحتمل أن يكون شرب من أداوة والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوام .
قال الحافظ والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيء من الهوام فيها والضرر يحصل به ولو كان حقيرا اه .
وقد عرفت أن كبشة وأم سليم صرحتا بأن ذلك كان في البيت وهو مظنة وجود الآنية وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصب منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليها دليل ولا شك أن الشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب مطلقا ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدل بالشرب منها على اختصاصة بحال الضرورة وعلى كل حال فالدليل أخص من الدعوى فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم بيانا للجواز