- حديث أبي هريرة الآخر قال الترمذي هو حديث حسن ولفظه عن أبي هريرة قال " مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة " .
قوله : " كتاب الجهاد " قال في الفتح بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال جاهدت جهادا أي بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات .
وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب ثم قال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو فرض كفاية ثم قال في باب الوجوب النفير فيه قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي .
وقال الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينصروه فيخرج من قومهما أنه كان على الطائفتين كفاية في حق غيره ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار أبتداء .
وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيرها والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وإن لم يخرج وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حججهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كل ما أمر وهو قوي قال والتحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه انتهى . وأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا .
قوله : " لغدوة أو روحة " الغدوة بالفتح والللام للابتداء وهي المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه . والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها .
قوله : " في سبيل الله " أي الجهاد .
قوله : " خير من الدنيا وما فيها " قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل الغائب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفسس مستعظمة في الطباع ولذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " ( والحاصل ) أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات . والنكتة ي ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا .
قوله : " من أغبرت قدماه " زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار وفيه دليل على عظم قدر الجهاد في سبيل الله فإن مجرد مس الغبار إذا كان من موجبات السلامة من النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستفرغ وسعه قوله " خير مما طلعت عليه الشمس وغربت " هذا هو المراد بقوله في الحديث الأول " خير من الدنيا وما فيها " .
قوله : " فواق ناقة " وقدر ما بين الحلبتين من الاستراحة .
قوله : " تحت ظلال السيوف " الظلال جمع ظل وإذا تدانى الخصمان صار كل واحد منهم تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والإجماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين .
وقال ابن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد . وله " وموضع سوط أحدكم " في رواية للبخاري وقاب قوس أحدكم أي قدره