- حديث علي الآخر أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحتب التلخيص ورجالة رجال الصحيح إلى عمرو بن شعيب " وفي الباب " عن ابن عمر عند ابن حبان في صحيحه وأشار إليه الترمذي وحسنه . وعن ابن عباس عند ابن ماجة وروي الشافعي من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسلا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم الفتح لا يقتل مؤمن بكافر " وروى البيهقي من حديث عمران بن حصين نحو ما في الباب وكذلك رواه البزار من حديثه وروى أبو داود والنسائي والبيهقي من حديث عائشة نحوه وقال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر حديث علي الآخر وحديث عمرو بن شعيب وحديث عائشة وابن عباس لأن طرقها كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن انتهى .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلما قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يعتله وغلظ عليه الدية .
قال ابن حزم هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابا فقال لا تقتلوه ولكن أعتقلوه .
قوله : " هل عندكم " الخطاب لعلي ولكنه غلبه على غيره من أهل البيت لحضوره وغيبتهم أو للتعظيم قال الحافظ وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن لأهل البيت لا سيما علي اختصاصا بشيء من الوحي لم يطلع عليه غيرهم وقد سأل عليا عن هذه المسألة قيس بن عبادة والأشتر النخعي قال والظاهر أن المسؤل عنه هنا ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الوحي الشامل للكتاب والسنة فإن الله سبحانه سماها وحيا إذا فسر قوله تعالى وما ينطق من الهوى بما هو أعم من القرآن ويدل على ذلك قوله وما في هذه الصحيفة فإن المذكور فيها ليس من القرآن بل من أحكام السنة وقد أخرج أحمد والبيهقي أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فلا يلزم منه نفي من ينسب إلى علي من علم الجفر ونحوه أو يقال هو مندرج تحت قوله الافهما يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن فإنه ينسب إلى كثير ممن فتح الله عليه بأنواع العلوم أنه يستنبط ذلك من القرآن . ومما يدل على اختصاص علي بشيء من الأسرار دون غيره حديث المخدج المقتول من الخوارج يوم النهروان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود يومئذ التمسوا فيهم المخدج . يعني في القتلى فلم يجدوه فقام الإمام علي بنفسه حتى أتى أناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر وقال صدق الله وبلغ رسوله فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا اله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أي والله الذي لا اله ألاهو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف . والمخدج المذكور هو ذو الثدية وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور .
قوله : " إلا فهمها " هكذا في رواية بالنصب على الاستثناء .
وفي رواية بالرفع على البدل والفهم بمعنى المفهوم من لفظ القرآن أو معناه .
قوله : " وما في هذه الصحيفة " أي الورقة المكتوبة والعقل الدية وسميت بذلك لأنهم كانوا يعطون الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل .
وفي رواية الديات أي تفصيل أحكامها .
قوله : " وفكاك الأسير " بكسر الفاء وفتحها أي أحكام تخليص الأسير من يد العدو والترغيب فيه .
قوله : " وأن لا يقتل مسلم بكافر " دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر الذمي فذهب فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه وذهب الشعبي والنخعي وابن حنيفة وأصحابه إلا أنه يقتل المسلم بالذمي واستدلوا بقوله في حديث علي وعمرو بن شعيب " ولا ذو عهد في عهده " ووجهه أنه معطوف على قوله مؤمن فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط بدليل جعله مقابلا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين اجماعا .
فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربى كما قيد في المعطوف لأن الصفة بعد متعددة ترجع إلى الجميع اتفاقا فيكون التقدير لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهو يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب أولا بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول ومن جملة القائلين بعدم العمل فيه أبو حنيفة فكيف يصح احتجاجهم به وثانيا بأن الجملة المعطوفة أعني قوله ولا ذو عهد في عهده لمجرد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلا ورد بأن الحديث مسوق لبيان القصاص لا للنهي عن القتل فإن تحريم قتل المعاهد معلوم من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلا عن الإسلام وأجيب عن هذا الرد بأن الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع وكون تحريم قتل المعاهد معلوما من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام كيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية فلا بد من معرفة أن الشريعة الإسلامية قررته ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بقوله " لا يقتل مسلم بكافر " ما ذكره الشافعي في الأم حيث قال وخطبته يوم الفتح كانت سبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت " لو قتلت مسلما بكافر لقتلته به " وقال " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " فأشار بقوله لا يقتل مسلم بكافر إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبقوله ولا ذو عهد في عهده إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور فيكون قوله ولا ذو عهد في عهده كلاما تاما لا يحتاج إلى تقدير ولا سيما وقد تقرر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قررناه ويجاب ثالثا بأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو نص عليه الرضى أنه لا يلزم أشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف وهو هنا النهي عن القتل مطلقا من غير نظر إلى كونه قصاصا أو غير قصاص فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الآخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعي وأيضا تخصيص العموم بتقدير ما أضمر في المعطوف ممنوع لو سلمنا صحة التقدير المتنازع فيه كما صرح بذلك صاحب المنهاج وغيره من أهل الأصول " ومن جملة " ما أحتج به القائلون بأنه يقتل المسلم بالذمي عموم قوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب بأنه مخصص بأحاديث الباب ومن أدلتهم ما أخرجه البهيقي من حديث عبد الرحمن بن البيلماني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل مسلما بمعتهد وقال أنا أكرم من وفى بذمته " وأجيب عنه بأنه مرسل ولا تثبت بمثله حجة وبأن ابن البيلماني المذكور ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله كما قال الدار قطني قال أبو عبيد القاسم بن سلام هو حديث ليس بمسند ولا يجعل به إماما تسفك به دماء المسلمين .
وأما ما وقع في رواية عمار بن مطر عن ابن البيلماني عن ابن عمر فقال البهيقي هو خطأ من وجهين أحدهما وصله بذكر ابن عمر والآخر أنه رواه عن إبراهيم عن ربيعة وإنما رواه أبراهيم عن ابن المنكدر والحمل فيه على ابن عمار ابن مطر الرهاوي فقد كان يقلب الأسانيد ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته وسقط عن حد الاحتجاج به وروي عن البهيقي أنه قال لم يسنده غير أبي يحيى يعني إبراهيم المذكور وقد ذكرناه في غير موضع من هذا الشرع أنه لا يحتج بمثله لكونه ضعيفا جدا وقد قال علي بن المديني إن هذا الحديث إنما يدور عن إبراهيم ابن أبي يحيى وقيل أن كلام المديني هذا غير مسلم فإن أبا داود أخرجه في المراسيل وكذلك الطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن أبي البيلمان فلم يكن دائر على إبراهيم ويجاب بأن ابن المديني إنما أراد أن الحديث المسند بذكر ابن عمر يدور على إبراهيم بن أبي يحيى فقط ولم يرد أن المسند والمرسل يدوران عليه فلا استدراك وقد أجاب الشافعي في الأم عن حديث ابن البيلماني المذكور بأن كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان منسوخا لأن حديث لا يقتل مسلم بكافر خطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان واستدلوا بما أخرجه الطبراني " أن عليا أتى برجل من المسلمين قتل رجل من أهل الذمة فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال إني قد عفوت قال فلعلهم هددوك وفرقوك وقرعوك قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعرضوا لي ورضيت قال أنت أعلم من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا وهذا مع كونه قول صحابي ففي إسناده أبو الجنوب الأسدي وهو ضعيف الحديث كما قال الدار القطني .
وقد روى علي Bه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يقتل مسلم بكافر كما في حديث الباب والحجة إنما هي في روايته وروي عن الشافعي في هذه القضية إنه قال مادلكم إن عليا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويقول بخلافه واستدلوا أيضا بما رواه البيهقي عن عمر في مسلم قتل معاهدا فقال إن كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف وإن كان القاتل لصا عاديا فيقتل ويجاب عن هذا أولا بأنه قول صحابي ولاحجة فيه وثانيا بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع لأنه رتب القتل على كون القاتل لصا عاديا وذلك خارج عن محل النزاع وأسقط القصاص عن القاتل في غضب وذلك غير مسقط لو كان القصاص واجبا وثالثا بأنه قال الشافعي في القصص المروية عن عمر في القتل بالمعاهد أنه لا يعمل بحرف منها لأن جميعها منقطعات أو ضعاف أو تجمع الأنقطاع والضعف وقد تمسك بما روي عن عمر مما ذكرنا مالك والليث فقالا يقتل المسلم بالذمي إذا قتله قال والغيلة أ يضجعه فيذبحه ولامتمسك لهما في ذلك لما عرفت إذا تقرر هذا علم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولو كان للكافر أن يقتص من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل وقد نفى الله تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيا مؤكدا وقوله تعالى { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } .
ووجهه أن الفعل الواقع في سياق النفي يتضمن النكرة فهو في قوة الاستواء فيعم كل أمر من الأمور إلا ما خص ويؤيد ذلك أيضا قصة اليهودي الذي لطمه المسلم لما قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت له الاقتصاص كما في الصحيح وهو حجة على الكوفيين لأنهم يثبتون القصاص باللطمة . ومن ذلك حديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وهو وإن كان فيه مقال لكنه قد علقه البخاري في صحيحه . وقوله " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " أي تتساوى في القصاص والديات . والكفء النظير والمساوى ومنه الكفاءة في النكاح أنه لا فرق بين الشريف والوضيع في الدم بخلاف ما كان عليه الجاهلية من المفاضلة وعدم المساواة .
قوله : " وهم يد على من سواهم " أي هم مجتمعين على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا .
قوله : " ويسعى بذمتهم أدناهم " يعني أنه إذا أمن المسلم حربيا كان أمانه أمانا من جميع المسلمين ولو كان ذلك المسلم امرأة بشرط أن يكون مكلفا فيحرم النكث من أحدهم من بعد أمانه