- حديث علي الثاني رجاله رجال الصحيح وأصله في الصحيحين . وحديث جابر الآخر في إسناده ابن لهيعة وحديثه حسن وفي كلام معروف . قوله " ما بين عير إلى ثور " أما عير فهو بفتح العين المهملة واسكان التحتية وأما ثور فهو بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء ومن الرواة من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا إن ذكره هنا خطأ . قال المازري قال بعض العلماء ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة قال والصحيح إلى أحد قال القاضي كذا قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد انتهى . قال النووي وكذا قال أبو بكر الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد قال قلت ويحتمل أن ثورا كان اسما لجبل هناك أما احد وإما غيره فيخفى اسمه وقال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور . قال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة فإنه معروف وكذا قال جماعة من أهل اللغة . قال ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة أو سمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا وسبقه إلى الأول أبو عبيدة على ما حكاه ابن الأثير عنه وقال المحب الطبري في الأحكام قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح وإن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة انتهى . وقد ذكر مثل هذا الكلام في القاموس وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف هل المدينة ينقلون عن سلفهم إن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققه بالمشاهدة : قوله " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها " قد تقدم تفسير هذه الألفاظ والكلام عليها في باب صيد الحرم وشجره : قوله " إلا لمن أشاد بها " أي رفع صوته بتعريفها أبدالا لسنة كما في غيرها ولعله يأتي في اللقطة الكلام على لقطة مكة والمدينة وغيرهما . قوله " ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال " قال ابن رسلان هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولاحاجة فإن كانت حاجة جاز . قوله " ولا يصلح أن يقطع فيها شجرة " استدل بهذا وبما في الأحاديث المذكورة في الباب من تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن المدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره . قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فاشبه الحمى . وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم وذهب أبوحنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس يحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكان من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر ( والأحاديث ) ترد عليهم واستدلوا بحديث يا أبا عمير مافعل النغير واجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو إنه من صيد الحل : قوله " إلا أن يعلف رجل بعيره " فيه دليل على جواز أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف قوله " ما بين لابتي المدينة " قال أهل اللغة اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والحرة الحجارة السود وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما : .
قوله " وجعل أثني عشر ميلا " الخ لفظ مسلم عن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة قال أبو هريرة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثني عشر ليلا حول المدينة حمي " انتهى والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف ويدل عليه أيضا ما عند أبي داود من حديث عدي بن زيد الجذامي قال حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا فهذا مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ( وهذان الحديثان ) فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة . قوله " ان يخبط أو يعضد " الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه والعضد القطع كما تقدم زاد أبو داود في هذا الحديث إلا ما يساق به الجمل . قوله " ما بين جبليها " قد ادعى بعض الحنفية إن الحديث مضطرب لأنه وقع التحديد في بعض الروايات بالحرتين وفي بعضها باللابتين وفي بعضها بالجبلين وفي بعضها بعير وثور كما تقدم وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي . قال في الفتح وتعقب بأن الجمع بينهما واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي قوله " اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " قال عياض البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وقال النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المدفيها من لا يكفيه في غيرها . قوله " من كذا إلى كذا " جاء هكذا مبهما في روايات البخاري فقيل أن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم ووقع مسلم إلى ثور فالمراد بهذا المبهم من عير إلى ثور وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " من أحدث فيها حدثا " أي عمل بخلاف السنة كمن ابتدع بها بدعة زاد مسلم وأبو داود في هذا الحديث " أو آوى محدثا " . قوله " فعليه لعنة الله " الخ أي اللعنة المستقرة من الله على الكفار وأضيف إلى الله على سبيل التخصيص والمراد بلغنة الملائكة والناس المبالغة في الأبعاد عن رحمة الله . وقيل المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر واستدل بهذا على أن الحديث في المدينة من الكبائر . قوله " ما بين مأزميها " قال النووي المأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي وهو الجبل وقيل المضيق بين جبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها انتهى . قوله " الا يهراق فيها دم " فيه دليل على تحريم اراقة الدماء بالمدينة لغير ضرورة : قوله " الا لعلف " هو باسكان اللام مصدر علفت وأما العلف بفتح اللام وهو اسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لاخبط الأغصان وقطعها فإنه حرام قوله " عضاهها " العضاه بالقصر وكسر العين الهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك وحداتها عضاهة وعضهة : قوله " وحماها كلها " فيه دليل على ان حكم حمى المدينة حكمها في تحريم صيده وشجرة وقد تقدم بيان مقدار الحمى انه من كل ناحية من نواحي المدينة بريد