جاز قوم جلوس الصحيح وراء الإمام المريض ومنع آخرون و طرق جوابهم عن هذا الحديث .
الخامس : قوله [ و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ] أخذ به قوم فأجازوا الجلوس خلف الإمام القاعد للضرورة مع قدرة المأمومين على القيام و كأنهم جعلوا متابعة الإمام عذرا في إسقاط القيام و منعه أكثر الفقهاء المشهورين و المانعون اختلفوا في الجواب عن هذا الحديث على طرق .
الطريق الأول : ادعاء كونه منسوخا و ناسخه صلاة النبي A بالناس في مرض موته قاعدا وهم قيام و أبو بكر قائم يعلمهم بأفعال صلاته و هذا بناء على أن النبي A كان الإمام وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة وقد وقع في ذلك خلاف و موضع الترجيح هو الكلام على ذلك الحديث قال القاضي عياض : قالوا : ثم نسخت إمامة القاعد جملة قوله لا يؤمن أحد بعدي جالسا و بفعل الخلفاء بعده و إنه لم يؤم أحد منه جالسا و إن كان النسخ لا يمكن بعد النبي A فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده و تقوي لين هذا الحديث و أقول : هذا ضعيف أما الحديث في [ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ] فحديث رواه الدارقطني عن جابر بن زيد الجعفي بضم الجيم و سكون العين عن الشعبي بفتح الشين أن رسول الله A قال : [ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ] وهذا مرسل وجابر بن زيد قالوا فيه : متروك ورواه مجالد عن الشعبي وقد استضعف مجالد وأما الاستدلال بترك الخلفاء الإمامة عن قعود فأضعف فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه فلعلهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين و إن كان الاتفاق قد حصل على أن صلاة القاعد القائم مرجوحة و إن الأولى تركها فذلك كف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود وقولهم : إنه يشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده ليس كذلك لما بينها من أن الترك للفعل لا يدل على تحريمها .
الطريق الثاني : في الجواب عن هذا الحديث للمانعين ادعاء أن ذلك مخصوص بالنبي A و قد عرف أن الأصل عدمه حتى يدل عليه دليل .
الطريق الثالث : التأويل بأن يحمل قوله [ و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ] على أنه إذا كان في حالة الجلوس فاجلسوا و لا تخالفوه بالقيام و كذلك إذا صلى قائما فصلوا قياما أي إذا كان في حالة القيام فقوموا و لا تخالفوه بالقعود وكذلك في قوله إذا ركع فاركعوا و إذا سجد فاسجدوا و هذا بعيد وقد ورد في الأحاديث و طرقها ما ينفيه مثل ما جاء في حديث عائشة Bها الآتي : .
[ أنه أشار إليهم أن اجلسوا ] ومنه تعليل ذلك بموافقة الأعاجم في القيام على ملوكهم و سياق الحديث في الجملة يمنع من سبق الفهم إلى هذا التأويل و الكلام على حديث عائشة مثل الكلام إلى حديث أبي هريرة و ما فيه من الزيادة قد حصل التنبيه عليه