قال : وإذا كبر الإمام على جنازة ثم أتي بجنازة أخرى فوضعت معها قال : يفرغ من الصلاة على الأولى ثم يستأنف الصلاة على الثانيةلأنه شرع في الصلاة على الأولى فيتمها وكذلك إن كبر الثانية ينوي الصلاة عليهما أو لم يحضره نية فيها فهو في الأولى وإن كبر ينوي الصلاة على الثانية كان قاطعا للأولى شارعا في الثانية فيصلي على الثانية .
صفحة [ 68 ] ثم يستأنف الصلاة على الأولى بمنزلة ما لو كان في الظهر فكبر ينوي العصر بخلاف ما إذا نواهما لأنه غير رافض للأولى فلا يصير شارعا في الثانية مع بقائه في الأولى .
قال : وتكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو نصف النهار " لحديث " عقبة ابن عامر " رضي الله تعالى عنه : وأن نقبر فيهن موتانا " والمراد الصلاة على الجنازة فلا بأس بالدفن في هذه الأوقات وإن صلوها لم يكن عليهم إعادتها لأن حق الميت تأدى بما أدوا فإن المؤدى في هذه الأوقات صلاة وإن كان فيها نقصان ألا ترى أن التطوع إنما يلزم بالشروع في هذه الأوقات . قال : وإذا أرادوا أن يصلوا على جنازة بعد غروب الشمس بدؤوا بالمغرب لأنها أقوى فإنها فرض عين على كل واحد والصلاة على الجنازة فرض على الكفاية والبداءة بالأقوى أولى لأن تأخير صلاة المغرب بعد غروب الشمس مكروه وتأخير الصلاة على الجنازة غير مكروه . قال : وتكره الصلاة على الجنازة في المسجد عندنا وقال " الشافعي " Bه لا تكره لما روى أن " سعد بن أبي وقاص " C تعالى لما مات أمرت " " عائشة " Bها بإدخال جنازته المسجد حتى صلى عليها أزواج رسول الله A ورضي عنهن ثم قالت لبعض من حولها هل عاب الناس علينا بما فعلنا قال نعم فقالت ما أسرع ما نسوا : ما صلى رسول الله A على جنازة " سهل بن أبي البيضاء " إلا في المسجد " ولأنها دعاء أو صلاة والمسجد أولى به من غيره . ولنا " حديث " أبي هريرة " Bه قال E : من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له " . وحديث " عائشة " Bها دليلنا لأن الناس في زمانها المهاجرون والأنصار وقد عابوا عليها فدل أنه كان معروفا فيما بينهم كراهة هذا .
وتأويل حديث رسول الله A أنه كان معتكفا في ذلك الوقت فلم يمكنه أن يخرج وأمر بالجنازة فوضعت خارج المسجد . وعندنا إذا كانت الجنازة خارج المسجد لم يكره أن يصلي الناس عليها في المسجد إنما الكراهة في إدخال الجنازة " لقوله E : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " فإذا كان الصبي ينحى عن المسجد فالميت أولى .
قال : وإذا صلوا على جنازة والإمام غير طاهر فعليهم إعادة الصلاةلأن صلاة الإمام فاسدة لعدم الطهارة فتفسد صلاة القوم بفساد صلاته وإن كان الإمام طاهرا والقوم على غير طهارة لم يكن عليهم إعادتها لأن صلاة الإمام قد صحت وحق الميت به تأدى فالجماعة ليست بشرط في الصلاة على الجنازة . قال : وإذا أخطؤوا .
صفحة [ 69 ] بالرأس فوضعوها في موضع الرجلين وصلوا عليها جازت الصلاة لأن ما هو شرط وهو كون الميت أمام الإمام فقد وجد إنما التغيير في صفة الوضع وذلك لا يمنع جواز الصلاة إلا أنهم إن تعمدوا ذلك فقد أساؤوا بتغيير الوضع عما توارثه الناس . قال : وإذا أخطؤوا القبلة جازت صلاتهم يعني إذا صلوا بالتحري وإن تعمدوا خلافها لم تجز على قياس سائر الصلوات فإنها في وجوب استقبال القبلة كسائر الصلوات . قال : وإن دفن قبل الصلاة عليها صلي في القبر عليها إنما لا يخرج من القبر لأنه قد سلم إلى الله تعالى وخرج من أيديهم . " جاء عن رسول الله A قال : القبر أول منزل من منازل الآخرة " ولكنهم لم يؤدوا حقه بالصلاة عليه والصلاة على القبر تتأتى فقد فعله رسول الله A فلهذا يصلى على القبر ما لم يعلم أنه تفرق لأن المشروع الصلاة على الميت لا على أعضائه .
وفي الأمالي عن " أبي يوسف " C تعالى قال يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وهكذا ذكره " ابن رستم " عن " محمد " رحمهما الله تعالى لأن الصحابة كانوا يصلون على رسول الله A إلى ثلاثة أيام . والصحيح أن هذا ليس بتقدير لازم لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد وباختلاف الأمكنة وباختلاف حال الميت في السمن والهزال والمعتبر فيه أكبر الرأي . والذي " روي أن النبي A صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين " معناه دعا لهم قال الله تعالى : { " وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " } . وقيل : إنهم كما دفنوا لم تتفرق أعضاؤهم وهكذا وجدوا حين أراد " معاوية " أن يحولهم فتركهم . قال : ويصف النساء خلف الرجال في الصلاة على الجنازة " لقوله E : خير صفوف النساء آخرها " وإن وقفت امرأة بجنب رجل لم تفسد عليه صلاته لأن الفساد بسبب المحاذاة ثبت بالنص بخلاف القياس وإنما ورد النص به في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة ولهذا لا وضوء على من قهقه فيها بخلاف سائر الصلوات .
قال : وإذا صلوا قعودا أو ركبانا في القياس يجزيهم لأنها دعاء في الحقيقة ولأن ركن القيام معتبر بسائر الأركان كالقراءة والركوع والسجود . وفي الاستحسان عليهم الإعادة لأن فيها شيئين التكبير والقيام فكما أن ترك التكبير يمنع الاعتداد فكذلك ترك القيام والقيام ههنا كوضع الجبهة والأنف في سجدة التلاوة فكما لا تتأدى السجدة إلا بهما كذا هنا . قال : ولو مات رجل في سفر ومعه نساء ليس معهن رجل فإن كان فيهن امرأته غسلته لأن " أبا بكر " Bه أوصى إلى امرأته أسماء .
صفحة [ 70 ] أن تغسله وهكذا " أبو موسى الأشعري " Bه " وقالت " عائشة " Bها : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله A إلا نساؤه " ولأن النكاح بينهما في حكم القائم ما لم تنقض العدة فإن الموت محول للملك لا مبطل وملك النكاح لا يحتمل التحول إلى الورثة فبقي موقوفا على الزوال بانقضاء العدة كما بعد الطلاق الرجعي ولو ارتفع النكاح بالموت فإنما ارتفع إلى خلف وهي العدة وهذه العدة حق النكاح فتقوم مقام حقيقته في إبقاء حل المس والنظر . قال : وإن كان فيهن أم ولده لم تغسله في قول " أبي حنيفة " الآخر وفي قوله الأول لها أن تغسله وهو قول " زفر " C تعالى لأنها معتدة من فراش صحيح فهي كالمنكوحة . وجه قوله الآخر : أنها عتقت بالموت فصارت أجنبية منه ووجوب العدة عليها بطريق الاستبراء ولهذا لا يختلف بالحياة والوفاة فلا يثبت باعتباره حل المس والنظر كالعدة من نكاح فاسد