والإتيان باسم الجلالة العلم دون ضمير إظهار في الإضمار لما يشعر به اسمه العلم من عظمة الإلهية إيماء إلى أن اتخاذهم آلهة من دونه جراءة عظيمة ليكون ذلك توطئة لقوله بعده ( فلا يحزنك قولهم ) أي فإنهم قالوا ما هو أشد نكرا .
وأما الإضمار في قوله في سورة الفرقان ( واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) فلأنه تقدم ذكر انفراده بالإلهية صريحا من قوله ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) .
وقوله ( لعلهم ينصرون ) وقعت ( لعل ) فيه موقعا غير مألوف لأن شأن ( لعل ) أن تفيد إنشاء رجاء المتكلم بها وذلك غير مستقيم هنا .
وقد أغفل المفسرون التعرض لتفسيره وأهمله علماء النحو واللغة من استعمال ( لعل ) فيتعين : إما أن تكون ( لعل ) تمثيلية مكنية بأن شبه شأن الله فيما أخبر عنهم بحال من يرجو من المخبر عنهم أن يحصل لهم خبر ( لعل ) وذكر حرف ( لعل ) رمز لرديف المشتبه به فتكون جملة ( لعلهم ينصرون ) معترضة بين ( آلهة ) وبين صفته وهي جملة ( لا يستطيعون نصرهم ) وإما أن يكون الكلام جرى على معنى الاستفهام وهو استفهام إنكاري أو تهكمي والجملة معترضة أيضا وإما أن يجعل الرجاء منصرفا إلى رجاء المخبر عنهم أي راجين أن تنصرهم تلك الآلهة وعلى تقدير قول محذوف أي قائلين : لعلنا ننصر وحكي ( ينصرون ) بالمعنى على أحد وجهين في حكاية الأقوال تقول : قال أفعل كذا وقال يفعل كذا وتكون جملة ( لا يستطيعون نصرهم ) استئنافا للرد عليهم .
وإما أن تجعل ( لعل ) للتعليل على مذهب الكسائي فتكون جملة ( لا يستطيعون نصرهم ) استئنافا .
والمقصود : الإشارة إلى أن الكفار يزعمون أن الأصنام تشفع لهم عند الله في أمور الدنيا ويقولون ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) وهم سالكون في هذا الزعم مسلك ما يألفونه من الاعتزاز بالموالاة والحلف بين القبائل والانتماء إلى قادتهم فبمقدار كثرة الموالي تكون عزة القبيلة فقاسوا شؤونهم الجارية بينهم وقياس أمور الإلهية على أحوال البشر من أعمق مهاوي الضلالة .
أجري على الأصنام ضمير جمع العقلاء في قوله ( لا يستطيعون ) لأنهم سموهم بأسماء العقلاء وزعموا لهم إدراكا .
وضمير ( وهم ) يجوز أن يعود إلى ( آلهة ) تبعا لضمير ( لا يستطيعون ) . وضمير ( لهم ) للمشركين أي والأصنام للمشركين جند محضرون والجند العدد الكثير . والمحضر الذي جيء به ليحضر مشهدا . والمعنى : أنهم لا يستطيعون النصر مع حضورهم في موقف المشركين لمشاهدة تعذيبهم ومع كونهم عددا كثيرا ولا يقدرون على نصر المتمسكين بهم أي هم عاجزون عن ذلك وهذا تأييس للمشركين من نفع أصنامهم .
ويجوز العكس أي والمشركين جند لأصنامهم محضرون لخدمتها . ويجوز أن يكون هذا إخبارا عن حالهم مع أصنامهم في الدنيا وفي الآخرة .
وينبغي أن تكون جملة ( وهم لهم جند محضرون ) في موضع الحال والواو واو الحال من ضمير ( يستطيعون ) أي ليس عدم استطاعتهم نصرهم لبعد مكانتهم وتأخر الصريخ لهم ولكنهم لا يستطيعون وهم حاضرون لهم واللام في ( لهم ) للأجل أي أن الله يحضر الأصنام حين حشر عبدتها إلى النار ليري المشركين خطل رأيهم وخيبة أملهم فهذا وعيد بعذاب لا يجدون منه ملجأ .
( فلا يحزنك قولهم ) فرع على قوله ( واتخذوا من دون الله آلهة ) صرف أن تحزن أقوالهم النبي A أي تحذيره من أن يحزن لأقوالهم فيه فإنهم قالوا في شأن الله ما هو أفظع .
( وقولهم ) من إضافة اسم الجنس فيعم أي فلا تحزنك أقوالهم في الإشراك وإنكار البعث والتكذيب والأذى للرسول A وللمؤمنين ولذلك حذف المقول أي يحزنك قولهم الذي من شأنه أن يحزنك .
والنهي عن الحزن نهي عن سببه وهو اشتغال بال الرسول بإعراضهم عن قبول الدين الحق وهو يستلزم الأمر بالأسباب الصارفة للحزن عن نفسه من التسلي بعناية الله تعالى وعقابه من ناوءوه وعادوه .
A E ( إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون [ 76 ] ) تعليل للنهي عن الحزن لقولهم .
والخبر كناية عن مؤاخذتهم بما يقولون أي انا محصون عليهم أقوالهم وما تسره أنفسهم مما لا يجهرون به فنؤاخذهم بذلك كله بما يكافئه من عقابهم ونصرك عليهم ونحو ذلك . وفي قوله ( ما يسرون وما يعلنون ) تعميم لجعل التعليل تذييلا أيضا