وقد أحاط بمعنى هذا الشمول حرف الظرفية من قوله ( في ذلك ) لأن الظرفية تجمع أشياء مختلفة يحتويها الظرف ولذلك كان لحرف الظرفية هنا موقع بليغ .
ولكون الآيات مختلفة بعضها آيات موعظة وزجر وبعضها آيات منه وترغيب جعلت متعلقة ب ( كل صبار شكور ) إذ الصبر المناسب للزجر لأن التخويف يبعث النفس على تحمل معاكسة هواها خيفة الوقوع في سوء العاقبة والإنعام يبعث النفس على الشكر فكان الصفتين توزيعا لما أجمله ذكر أيام الله من أيام بؤس وأيام نعيم .
( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [ 6 ] ) عطف على جملة ( ولقد أرسلنا موسى ( بآياتنا ) باعتبار غرض الجملتين وهو التنظير بسنن ما جاء به الرسل السابقون من إرشاد الأمم وتذكيرها كما أنزل القرآن لذلك .
( وإذ ) ظرف للماضي متعلق بفعل تقديره : اذكر دل عليه السياق الذي هو ذكر شواهد التاريخ بأحوال الرسل " عليهم السلام " مع أمم . والمعنى : واذكر قول موسى لقومه الخ .
وهذا مما قاله موسى لقومه بعد أن أنجاهم الله من استبعاد القبط وإهانتهم فهو تفاصيل ما فسر به إرسال موسى " عليه السلام " وهو من التذكير بأيام الله الذي أمر الله موسى " عليه السلام " أن يذكره قومه .
و ( إذ نجاكم ) ظرف للنعمة بمعنى الإنعام أي الإنعام الحاصل في وقت إنجاكم إياكم من آل فرعون . وقد تقدم تفسير نظيرها في قوله تعالى ( وإذ أنجيناكم من آل فرعون ) في سورة البقرة وكذا في سورة الأعراف ( يقتلون ) سوى أن هذه الآية عطف فيها جملة ( ويذبحون ) على جملة ( يسومونكم ) وفي آية البقرة والأعراف جعلت جملة ( يذبحون ) وجملة ( يقتلون ) بدون عطف على أنها بدل اشتمال من جملة ( يسومونكم سوء العذاب ) . فكان مضمون جملة ( ويذبحون ) هنا مقصودا بالعد كأنه صنف آخر غير سوء العذاب اهتماما بشانه فعطفه من عطف الخاص على العام . وعلى كلا النظمين قد حصل الاهتمام بهذا العذاب المخصوص بالذكر فالقرآن حكى مراد كلام موسى " عليه السلام " من ذكر العذاب الأعم وذكر الأخص للاهتمام به وهو حاصل على كلا النظمين . وإنما حكاه القرآن في كل موضع بطريقة تفننا في إعادة القصة بحصول اختلاف في صورة النظم مع الحفاظ على المعنى المحكي وهو ذكر سوء العذاب مجملا وذكر أفظع أنواعه مبينا .
وأما عطف جملة ( ويستحيون نساءكم ) في الآيات الثلاث فلأن مضمونها باستقلاله لا يصلح لبيان سوء العذاب لأن استحياء النساء في ذاته نعمة ولكنه يصير من العذاب عند اقترانه بتذبيح الأبناء إذ يعلم أن مقصودهم من استحياء النساء استرقاقهن وإهانتهن فثار الاستحياء بذلك القصد تهيئة لتعذيبهن . ولذلك سمي جميع ذلك بلاء .
A E وأصل البلاء : الاختبار . والبلاء هنا المصيبة بالشر سمي باسم الاختبار لأنه اختبار لمقدار الصبر فالبلاء مستعمل في شدة المكروه من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه على طريقة المجاز المرسل . وقد شاع إطلاق هذا بصيغة اسم المصدر بحيث يكاد لا يطلق إلا على المكروه . وما ورد منه مستعملا في الخير فإنما ورد بصيغة الفعل كقوله ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) وقوله ( وتبلو أخباركم ) وتقدم في نظيرها من سورة البقرة .
وجعل هذا الضر الذي لحقهم واردا من جانب الله لأن تخليه آل فرعون لفعل ذلك وعدم إلطافه ببني إسرائيل يجعله كالوارد من الله وهو جزاء على نبذ بني إسرائيل دينهم الحق الذي أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب " عليهم السلام " واتباعهم دين القبط وعبادة آلهتهم .
واختيار وصف الرب هنا للإيماء إلى أنه أراد به صلاح مستقبلهم وتنبيههم لاجتناب عبادة الأوثان وتحريف الدين كقوله ( وإن عدتم عدنا ) .
وهذه الآية تضمنت ما في فقرة 17 من الإصحاح 21 ، وفقرة 3 من أفصحاح 13 من سفر الخروج وما في فقرة 13 من الإصحاح 26 من سفر اللاويين .
( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [ 7 ] )