في " ليس " ضمير وعد الله أي ليس ينال ما وعد الله من الثواب " بأمانيكم ولا " ب " أماني أهل الكتاب " والخطاب للمسلمين لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به وكذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم في الإيمان بوعد الله . وعن مسروق والسدي : هي في المسلمين . وعن الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا في الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل له . وقيل : إن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم وقال المسلمون : نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله . فنزلت . ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين لقولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا " لأوتين مالا وولدا " مريم : 77 ، " إن لي عنده للحسنى " فصلت : 50 ، وكان أهل الكتاب يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه . لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ويعضده تقدم ذكر أهل الشرك قبله . وعن مجاهد : إن الخطاب للمشركين . قوله : " من يعمل سوءا يجز به " وقوله : " ومن يعمل من الصالحات " بعد ذكر تمني أهل الكتاب نحو من قوله : " بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته " البقرة : 81 ، وقوله : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " عقيب قوله : " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " البقرة : 80 ، وإذا أبطل الله الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل وأن من أصلح عمله فهو الفائز . ومن أساء عمله فهو الهالك : تبين الأمر ووضح ووجب قطع الأماني وحسم المطامع والإقبال على العمل الصالح . ولكنه فصيح لا تعيه الآذان ولا تلقى إليه الأذهان . فإن قلت : ما الفرق بين من الأولى والثانية ؟ قلت : الأولى للتبعيض أراد ومن يعمل بعض الصالحات ؛ لأن كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه . وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال . والثانية لتبيين الإبهام في " ومن يعمل " فإن قلت : كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يكون الراجع في ولا يظلمون لعمال السوء وعمال الصالحات جميعا . والثاني أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالا على ذكره عند الآخر لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم فكان ذكره مستغنى عنه وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب . فكان نفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل .
" ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا " " أسلم وجهه لله " أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه " وهو محسن " وهو عامل للحسنات تارك للسيئات " حنيفا " حال من المتبع أو من إبراهيم كقوله : " بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " البقرة : 135 ، وهو الذي تحنف أي مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام " واتخذ الله إبراهيم خليلا " مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله . والخليل : المخال وهو الذي يخالك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل : وهو الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يداخلك خلال منازلك وحجبك . فإن قلت : ما موقع هذه الجملة ؟ قلت : هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم : .
............ . والحوادث جمة