" لإخوانهم " لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب وفي سكنى الدار " وقعدوا " أي قالوا وقد قعدوا على القتال : لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل " قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " معناه : قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال فجدوا إلى دفع الموت سبيلا يعني أن ذلك الدفع غير مغن عنكم لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ولابد لكم من أن يتعلق بكم بعضها . وروي : أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا . فإن قلت : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود فما معنى قوله : " إن كنتم صادقين " ؟ قلت : معناه أن النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال وأن يكون غيره لأن أسباب النجاة كثيرة وقد يكون قتال الرجل سبب نجاته ولو لم يقاتل لقتل فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود وأنكم صادقون في مقالتكم ؟ وما أنكرتم أن يكون السبب غيره . ووجه آخر : إن كنتم صادقين في قولكم : لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا يعني أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين . وقوله : " فادرؤا عن أنفسكم الموت " استهزاء بهم أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا .
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " " ولا تحسبن " الخطاب لرسول الله A أو لكل أحد . وقرئ بالياء على : ولا يحسبن رسول الله A أو ولا يحسبن حاسب . ويجوز أن يكون " الذين قتلوا " فاعلا ويكون التقدير : ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا أي لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا . فإن قلت : كيف جاز حذف المفعول الأول ؟ قلت : هو في الأصل مبتدأ فحذف كما حذف المبتدأ في قوله " أحياء " والمعنى : هم أحياء لدلالة الكلام عليهما . وقرئ : ولا تحسبن بفتح السين وقتلوا بالتشديد . وأحياء بالنصب على معنى : بل احسبهم أحياء " عند ربهم " مقربون عنده ذو وزلفى كقوله : " فالذين عند ربك " فصلت : 38 . " يرزقون " مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون ويشربون . وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق الله " فرحين بما آتاهم الله من فضله " وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين معجلا لهم رزق الجنة ونعيمها . وعن النبي A : " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش " " ويستبشرون ب " إخوانهم المجاهدين " الذين لم يلحوا بهم " أي لم يقتلوا فيلحقوا بهم " من خلفهم " يريد الذين من خلفهم قد بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم . وقيل : لم يلحقوا بهم لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم " ألا خوف عليهم " بدل من الذين . والمعنى : ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة . بشرهم الله بذلك فهو مستبشرون به . وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على ازدياد الطاعة والجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم وإحماد لحال من يرى نفسه في خير فيتمنى مثله لإخوانه في الله وبشرى للمؤمنين بالفوز في المآب . وكرر " يستبشرون " ليعلق به ما هو بيان لقوله : " ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " من ذكر النعمة والفضل وأن ذلك أجر لهم على إيمانهم يجب في عدل الله وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع وقرئ وأن الله بالفتح عطفا على النعمة والفضل . وبالكسر على الابتداء وعلى أن الجملة اعتراض . وهي قراءة الكسائي . وتعضدها قراءة عبد الله . والله لا يضيع