وواضح مستأنس وخفي غريب ورقيق خفيف على الأسماع وثقيل كرية تمجه الأسماع وموافق لقياس اللغة ومخالف له ثم من هذه المفردات عام وخاص ومطلق ومقيد ومجمل ومبين ومعرف ومنكر وظاهر ومضمر وحقيقة ومجاز وكذلك التراكيب العربية منها ما هو حقيقة ومجاز ومنها متآلف الكلمات ومتنافرها وواضح المعاني ومعقدها وموافق للقياس اللغوي والخارج عليه ومنها الاسمية والفعلية والخبرية والإنشائية وفيها النفي والإثبات والإيجاز والإطناب والتقديم والتأخير والفصل والوصل إلى غير ذلك مما هو مفصل في علوم اللغة وكتبها .
ثم إن ما يؤيده معهود اللغة من المتنوعات المذكورة وما أشبهها هو المسلك العام الذي ينفذ منه المتكلمون إلى أغراضهم ومقاصدهم ولكن ليس شيء من هذه المتنوعات بالذي يحسن استعماله إطلاقا ولا شيء منها بالذي يسوء استعماله إطلاقا أي في كافة الأحوال وجميع المقامات بل لكل مقام مقال فما يجعل في موطن قد يقبح في موطن آخر وما يجب في مقام قد يمتنع في مقام آخر ولولا هذا لكان الوصول إلى الطرف الأعلى من البلاغة هينا ولأصبح كلام الناس لونا واحدا وطعما واحدا ولكن الأمر يرجع إلى حسن الاختيار من هذه المتنوعات بحسب ما يناسب الأحوال والمقامات فخطاب الأذكياء غير خطاب الأغبياء وموضوع العقائد التي يتحمس لها الناس غير موضوع القصص وميدان الجدل الصاخب غير مجلس التعليم الهادئ ولغة الوعد والتبشير غير لغة الوعيد والإنذار إلى غير ذلك مما يجعل اختيار المناسبات عسيرا ضرورة أن الإحاطة بجميع أحوال المخاطبين قد تكون متعسرة أو متعذرة ومما يجعل اللفظ الواحد في موضع من المواضع كأنه نجمة وضاءة لامعة وفي موضع آخر كأنه نكتة سوداء مظلمة .
ولعلمائنا أكرمهم الله أذواق مختلفة في استنباط الفروق الدقيقة بين استعمال حرف أو كلمة مكان حرف أو كلمة ومن السابقين في حلبة هذا الاستنباط الخطيب الإسكافي المتوفى سنة 412ه في كتابه درة التنزيل وغرة التأويل وهاك مثالا منه يفيدنا فيما نحن فيه إذ يتحدث عن سر التعبير بالفاء في لفظ كلوا من قوله سبحانه في سورة البقرة وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم وعن سر التعبير بالواو لا بالفاء في لفظ كلوا أيضا لكن من قوله سبحانه في سورة الأعراف وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم مع أن القصة واحدة ومدخول الحرف واحد قال C الأصل أن كل فعل عطف عليه ما تعلق به تعلق الجواب بالابتداء وكان الأول مع الثاني بمعنى الشرط والجزاء فالأصل فيه عطف الثاني على الأول بالفاء ومنه وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا فإن وجود الأكل متعلق بالدخول والدخول موصل إلى الأكل فالأكل وجوده معلق بوجوده بخلاف