ألا تطغى تلك المباحث عن المقصود الأول من القرآن وهو الهداية والإعجاز أما إن أسرف المفسر واشتغل بتفريعات العلوم الأدبية ونظريات الفنون الكونية فقد انعكست الآية ولم يعد التفسير تفسيرا بل يكون أشبه بكتب العلوم والفنون منه بكتب التفسير كما قال بعض العلماء الظرفاء يصف تفسيرا مشهورا بالاستطراد والتطويل والضرب في كثير من العلوم قال لقد حوى هذا التفسير كل شيء إلا التفسير .
أن يلاحظ في امتزاج التفسير بتلك العلوم ما يلائم العصر ويوائم الوسط لأن تلك الأبحاث الكونية والأدبية قد تكون ضرورية ومفيدة أيما فائدة إذا شرح بها القرآن في عصر من عصور الثقافة أو لجمهور من المفتونين بالمادة وعلوم الكون أو لطائفة من المتأدبين المشغوفين بفنون البلاغة في القول بينما تكون هذه الأبحاث نفسها نكبة وفتنة إذا شرح بها القرآن في عصر من عصور الجهالة أو لفئة أخرى من فئات الناس وما من أحد يخاطب قوما بغير ما تسعه عقولهم إلا كان فتنة عليهم .
أن تذكر تلك الأبحاث على وجه يدفع المسلمين إلى النهضة ويلفتهم إلى جلال القرآن ويحركهم إلى الانتفاع بقوى هذا الكون العظيم الذي سخره الله لنا انتفاعا بعيد لأمة الإسلام نهضتها ومجدها .
وهاك نموذجا على سبيل التمثيل وإن أسرف في هذا السبيل إسرافا أنساه نفس التفسير والتأويل .
قال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه القرآن والعلوم العصرية ما نصه .
قال الله تعالى الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرت رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهر وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وءاتكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسن لظلوم كفار عبر الله تعالى بكاف الخطاب ست مرات فجعل الماء لنا وتسخير الشمس والقمر لنا وتسخير الليل والنهار لنا وقد آتانا من كل ما سألناه في ضمائرنا وما تمنته نفوسنا .
فهل هذا الخطاب استثنى منه المسلمون فهل جعل الله الثمرات في الأرض خاصة بغير المسلمين أم الخطاب عام وهل الفلك التي تجري في البحر ما بين آسيا وإفريقيا وأوروبة في المحيط الهندي والهادي والبحر الأحمر وبحر الظلمات بين أوروبة وأمريكا هل هذه السفن خاصة بالإفرنج وكيف نام المسلمون عن علوم التجارة فأصبحت بأيدي