عقلية أيضا شاهدة بعدالة الله وحكمته لأن العبد لو لم يكن موجدا لما اختار من أعماله لما كان ثمة وجه لاستحقاقه المثوبة أو العقوبة وكيف يثاب أو يعاقب على ما ليس له ولم يصدر منه .
غيري جنى وأنا المعذب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم .
أهل السنة بهرتهم النصوص الأولى والأدلة العقلية التي بجانبها فرجحوها وقالوا إن العبد لا يخلق أفعال نفسه الاختيارية إنما هي خلق الله وحده وإذا قيل لهم كيف يثاب المرء أو يعاقب على عمل لم يوجده هو وكيف يتفق هذا وما هو مقرر من عدالة الله وحكمته في تكليف خلقه قالوا إن العباد وإن لم يكونوا خالقين لأعمالهم كاسبون لها وهذا الكسب هو مناط التكليف ومدار الثواب والعقاب وبه يتحقق عدل الله وحكمته فيما شرع للمكلفين .
وهكذا حملوا النصوص الأولى على الخلق وحملوا الثانية على الكسب جمعا بين الأدلة ثم إذا قيل لهم ما هذا الكسب اختلف الأشعري والماتريدي في تحديده أهو مقارنة القدرة القديمة للحادثة أم هو العزم المصمم ولكل وجهة نظر يطول شرحها وتوجيهها .
أما المعتزلة فقد بهرتهم النصوص الثانية وما يظاهرها من برهان النقل فرجحوها وقالوا إن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية وإذا قيل لهم أليس الله خالق كل شيء ومنها أعمال العباد قالوا بلى إنه خالق كل شيء حتى أعمال عباده الاختيارية بيد أنه خلق بعض الأشياء بلا واسطة وخلق بعضها الآخر بواسطة وأعمال المكلفين من القبيل الثاني خلقها الله بوساطة خلق آلاتها فيه وآلاتها هي القدرة الكلية والإرادة الكلية الصالحتان للتعلق بكل من الطرفين وليس لنا من حول ولا قوة سوى أننا استعملناها على أحد وجهيها إما بحسن الاختيار وإما بسوء الاختيار ثم لا مانع عندنا من القول بأنه سبحانه خالق لأفعال عباده ولكن على سبيل المجاز باعتبار أنه خالق أسبابها ووسائلها .
وإذا قيل لهم إن مذهبكم يستلزم أن يكون لله شركاء كثيرون في فعله وهم عباده المكلفون وهذا يناقض عقيدة التوحيد وبرهان الوحدانية قالوا لا نسلم هذا ولا نقول به فإن الوحدانية ليس معناها نفي وجود ذوات أو صفات أو أفعال لغيره إنما معناها نفي أن يكون لغيره شبه به في ذاته أو صفاته أو أفعاله وأنتم يا أهل السنة لا تمنعون وجود ذوات لا تشبه ذاته ولا تمنعون وجود صفات لا تشبه صفاته فلم تمنعون وجود أفعال من العباد لا تشبه أفعاله وهو ما نقول به في خلق العباد لأعمالهم فإنها لا تشبه أفعال الله بحال .
هكذا تجد لكلتا الطائفتين وجهة نظر قوية وتأويلا سائغا فيما تؤوله من النصوص