ولكن القرآن حظي بأوفى نصيب من عناية النبي وأصحابه فلم تصرفهم عنايتهم بحفظه واستظهاره عن عنايتهم بكتابته ونقشه ولكن بمقدار ما سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في عصرهم .
فها هو ذا رسول الله قد اتخذ كتابا للوحي كلما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته مبالغة في تسجيله وتقييده .
وزيادة في التوثق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ .
وكان هؤلاء الكتاب من خيرة الصحابة فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وغيرهم .
وكان يدلهم علىموضع المكتوب من سورته .
ويكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب واللخاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع .
ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله .
وهكذا انقضى العهد النبوي السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط بيد أنه لم يكتب في صحف ولا في مصاحف .
بل كتب منثورا كما سمعت بين الرقاع والعظام ونحوها مما ذكرنا .
روي عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا .
وعن زيد بن ثابت قال كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع .
وكان هذا التأليف عبارة عن ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي وكان هذا الترتيب بتوقيف من جبريل عليه السلام فقد ورد أن جبريل عليه السلام كان يقول ضعوا كذا في موضع كذا .
ولا ريب أن جبريل كان لا يصدر في ذلك إلا عن أمر الله D .
أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان منهم من يكتبون القرآن ولكن فيما تيسر لهم من قرطاس أو كتف أو عظم أو نحو ذلك بالمقدار الذي يبلغ الواحد عن رسول الله .
ولم يلتزموا توالي السور وترتيبها وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورة