يقول تعالى مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام : أن الله يعلمه { الكتاب والحكمة } الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة و { التوراة والإنجيل } فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا وقوله : { ورسولا إلى بني إسرائيل } أي يجعله رسولا إلى بني إسرائيل قائلا لهم { أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله } وكذلك كان يفعل يصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله D الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله { وأبرئ الأكمه } قيل : أنه الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل : الأعشى وقيل الأعمش وقيل : هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي { والأبرص } معروف { وأحيي الموتى بإذن الله } قال كثير من العلماء : بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الايات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد وكذلك محمد صلى الله عليه وسلّم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء فأتاهم بكتاب من الله D لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وما ذاك إلا لأن كلام الرب D لا يشبه كلام الخلق أبدا وقوله : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } أي أخبركم بما أكل أحدكم الان وما هو مدخر له في بيته لغد { إن في ذلك } أي في ذلك كله { لآية لكم } أي على صدقي فيما جئتكم به { إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدي من التوراة } أي مقررا لها ومثبتا { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئا وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ فكشف لهم عن المغطى في ذلك كما قال في الاية الأخرى { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } والله أعلم ثم قال { وجئتكم بآية من ربكم } أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم { فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه } أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه { هذا صراط مستقيم }