ومثل به المشركون وبجميع قتلى المسلمين إلا حنظلة بن أبي عامر الراهب فإن أباه كان مع المشركين فتركوه لأجله وجعل نساء المشركين : هند وصواحباتها يجد عن أنف المسلمين وآذانهم ويبقرون بطونهم وبقرت هند بطن حمزة Bه فأخرجت كبده فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها فقال النبي A : " لو دخل بطنها لم تمسها النار " . فلما شهده النبي A اشتد وجده عليه وقال : " لئن ظفرت لأمثلن بسبعين منهم " فأنزل الله سبحانه " وإن عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله " : النحل 126 ، 127 . وروى أبو هريرة قال : وقف رسول الله A على حمزة وقد مثل به فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه فقال : " رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات " . وروى جابر قال : لما رأى رسول الله حمزة قتيلا بكى ما مثل به شهق وقال : " لولا أن تجد صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع " . وصفية هي أم الزبير وهي أخته . وروى محمد بن عقيل عن جابر قال : " لما سمع النبي A ما فعل بحمزة شهق فلما رأى ما فعل به صعق " .
ولما عاد النبي A إلى المدينة سمع النوح على قتلى الأنصار قال : " لكن حمزة لا بواكي له " . فسمع الأنصار فأمروا نساءهم أن يندبن حمزة قبل قتلاهم ففعلن ذلك قال الواقدي : فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة حتى الآن .
وقال كعب بن مالك يرثي حمزة وقيل هي لعبد الله بن رواحة : الوافر : .
بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل .
على أسد الإله غداة قالوا ... لحمزة : ذاكم الرجل القتيل .
أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرسول .
أبا يعلى لك الأركان هدت ... وأنت الماجد البر الوصول .
عليك سلام ربك في جنان ... يخالطها نعيم لا يزول .
ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكل فعالكم حسن جميل .
رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول .
ألا من مبلغ عني لؤيا ... فبعد اليوم دائلة تدول .
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفى الغليل .
نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة أتاكم الموت العجيل .
غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطير حائمة تجول .
وعتبة وابنه خرا جميعا ... وشيبة عضه السيف الصقيل .
ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إن عزكم ذليل .
ألا يا هند فابكي لا تملي ... فأنت الواله العبرى الثكول .
وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة ثلاث وكان عمره سبعا وخمسين سنة على قول من يقول : إنه كان أسن من رسول الله A بسنتين وقيل : كان عمره تسعا وخمسين سنة على قول من يقول : كان أسن من رسول الله A بأربع سنين وقيل : كان عمره أربعا وخمسين سنة وهذا يقوله من جعل مقام النبي A بمكة بعد الوحي عشر سنين وقيل : كان عمره أربعا وخمسين سنة وهذا يقوله من جعل مقام النبي A بمكة بعد الوحي عشر سنين فيكون للنبي A اثنتان وخمسون سنة ويكون لحمزة أربع وخمسون سنة فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من النبي A .
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني رجل من أصحابي عن مقسم وقد أدركه عن ابن عباس قال : صلى رسول الله A على حمزة فكبر سبع تكبيرات ثم لم يؤت بقتيل إلا صلى عليه معه حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة