فاعبدوا ما شئتم أن تعبدوه من دونه D وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه أمروا به كي يحل بهم العقاب قل إن الخاسرين أي الكاملين في الخسران وهو إضاعة ما بهم وإترافهم ما لا بد منه لجمعهم أعاظم أنواع الخسران الذين خسروا أنفسهم وأهليهم باختيارهم الكفر لهما فالمراد بالأهل أتباعهم الذين أضلوهم أي أضاعوا أنفسهم وأضاعوا أهليهم واتلفوهما يوم القيامة حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي وأرقعوهما في هلكة ما وراءها هلكة ولو أبقى يوم القيامة على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم ويتحقق مبدأ خسرانهم صح على ما قيل وقيل : المراد بالأهل الأتباع مطلقا وخسرانهم إياهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا إياب بعده وتعقب بأن المحذور ذهاب من لو آب لا ينتفع به الخاسر وذلك غير متصور في الشق الأخير وقيل : المراد بالأهل ما أعده الله تعالى لمن يدخل الجنة من الخاصة أي وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونوا لهم في الجنة لو آمنوا أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال : ليس أحد إلا قد أعد الله تعالى له أهلا في الجنة إن أطاعه وأخرج نحوه عن مجاهد وروي أيضا عن ميمون بن مهران وكلهم ذكروا ذلك في الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال فيها أيضا : خسروا أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله تعالى فغبنوهم وهو الذي يقتضيه كلام الحسن فقد روي عنه أنه فسر الأهل بالحور العين ولا يخفى ان حمل الآية على ذلك لا يخلو عن بعد .
وأيا ما كان فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر بل بيان أنهم المخاطبون بما تقدم إما بجعل الموصول عبارة عنهم أو بجعله عبارة عما هم مندرجون فيه اندراجا أوليا وما في قوله تعالى : ألا ذلك هو الخسران المبين .
15 .
- من استئناف الجملة وتصديرها بحرف التنبية والإشارة بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في النشر وأنه لعظمه بمنزلة المحسوس وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران والإتيان به على فعلان الأبلغ من فعل ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هو له وفظاعته وأنه لا نوع من الخسر وراءه ما لا يخفى .
وقوله تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار إلى آخره نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الإبهام على أن لهم خبر لظلل و من فوقهم متعلق بمحذوف حال من ضميرها في الظرف المقدم لا منها نفسها لضعف الحال من المبتدأ وجعلها فاعل الظرف حينئذ اتباع لنظر الأخفش وهو ضعيف و من النار صفة لظلل .
والكلام جار مجرى التهكم بهم ولذا قيل لهم وعبر عما علاهم من النار بالظلل أي لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض كائنة من النار ومن تحتهم ظلل كائنة من النار أيضا والمراد أطباق كثيرة منها وتسميتها ظللا من باب المشاكلة وقيل هي ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من طبقفات النار ولا يطرد في أهل الطبقة الأخيرة من هؤلاء الخاسرين إلا أن يقال : إن للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا وقيل : إن ما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرا وليس بذاك والمراد أن النار محيطة بهم ذلك العذاب الفظيع يخوف الله به عباده يذكره سبحانه لهم بآيات الوعيد ليخافوا