رضي الله تعالى عنهم : إن الطاعات برضى الله تعالى والمعاصي ليست كذلك ليس لهذه الآية بل لأن الرضا بالمعنى الأصلي يستحيل عليه تعالى وقد أخبر أنه رضي عن المؤمنين بسبب طاعتهم في مواضع عديدة من كتابه الكريم .
والزمخشري عامله الله تعالى بعد له فسر الرضا في نحوه بالإختيار وهو لا ينفك عن الإرادة وأنت تعلم سقوطه مما حقق هذا ثم إنا نقول : لما أرشد سبحانه إلى الحق وهدد الباطل إكمال للرحمة على عباده كلهم الفريقين بقوله تعالى إن تكفروا إلى قوله سبحانه يرضه لكم تنبيها على الغنى الذاتي وأنه سبحانه تعالى أن يكون أمره بالخير لانتفاعه به ونهيه عن الشر لتضرره منه ثم في العدول عن مقتضى الظاهر من الخطاب إلى قوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر ما ينبه على أن عبوديتهم وربوبيته جل شأنه يقتضي أن لا يرضى لهم ذلك وفيه أنهم إذا اتصفوا بالكفر فكأنهم قد خرجوا عن رتبة عبوديته تعالى وبقوا في الذل الدائم ثم قيل يرضه لكم للتنبيه على مزيد الإختصاص فهذا هو النظم السري الذي يحار دون إدراك طائفة من لطائفة الفكر البشري والله تعالى أعلم أه وهو كلام رصين وبالقبول قمين إلاأنه ربما يقال إنه : لا يتمشى على مذهب السلف حيث أنهم لا يؤولون الرضا في حقه تعالى وكونه عبارة عن حالة نفسانية إلى آخر ما ذكر في تفسيره إنما هو فينا وحيث أن ذاته تعالى مباينة لسائر الذوات فصفاته سبحانه كذلك فحقيقة الرضا في حقه تعالى مباينة لحقيقته فينا وأين التراب من رب الأرباب وقد تقدم الكلام في هذا المقام على وجه يروى الأمام ويبريء السقام فنقول عدم التأول لا يضمر فيما نحن بصدده فالرضا أن أول أو لم يؤول غير الإرادة لحديث السبق والتأخر السابق وممن صرح بذلك ابن عطية قال : تأمل الإرادة فإن حقيقتها إنما هي فيما لم يقع بعد والرضا حقيقته إنما هي فيما وقع واعتبر هذا في آيات القرآن تجده وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا .
وقد ذهب إلى المغايرة بينهما بما ذكر هنا ابن المنير أيضا إلا أنه أول الرضا وذكر أنه لا يتأتى حمله في الآية على الإرادة وشنع على الزمخشري في ذلك جزاء ما تكلم على بعض أهل السنة المخالفين للمعتزلة في زعمهم اتحاد الرضا والإرادة وأنه قد يريد ما لا يفعله العبد وقد يفعل العبد ما لا يريده D فقال : هب أن المصر على المعتقد على قلبه رين أو في ميزان عقله غين أليس يدعى أو يدعى له أنه الخريت في معابر العبارات فكيف هام عن جادة إلا جادة في بهماء وأعار منادي الحذاقة أذنا صماء اللهم إلا أن يكون الهوى إذا تمكن أرى الباطل حقا وغطى على مكشوف العبارة فسحقا سحقا أليس مقتضى العربية فضلا عن القوانين العقلية أن المشروط مرتب على الشرط فلا يتصور وجود المشروط قبل الشرط عقلا ولا مضيه واستقبال الشرط لغة ونقلا واستقر باتفال الفريقين أهل السنة وأهل البدعة أن إرادة الله تعالى لشكر العباد مثلا مقدمة على وجود الشكر منهم فحينئذ كيف ينساغ حمل الرضا على الإرادة وقد جعل في الآية مشروطا وجزاء وجعل وقوع الشركر شرطا ومجزيا واللازم من ذلك عقلا تقدم المراد وهو الشكر على الإرادة وهي الرضا ولغة تقدم المشروط على الشرط فغذا تبت بطلان حمل الرضا على الإرادة عقلا ونقلا تعين المحمل الصحيح له وهو المجازاة على الشكر بما عهد أن يجازي به المرضي عنه من الثواب والكرامة فيكون معنى الآية والله تعالى أعلم وإن تشكروا يجازكم على شكركم جزاء المرضي عنه ولا يشك أن المجازاة مستقبلة بالنسبة إلى الشكر فجزي الشرط والجزاء على مقتضاهما لغة وانتظم