الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم والجملة خبرية لفظا ومعنى والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا .
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من إتخاذ الأصنام أربابا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم فأسمعون 52 أي فأسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك وقيل : مراده دعوتهم إلى الخير الذي أختاره لنفسه وقيل لم يرد بهذا الكلام إلأ أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء وقدر بعضهم المضاف المحدوف عاما وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فأسمعوا جميع ما قلته وأقبلوه وهو مما يسمع .
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروى عن إبن عباس وكعب ووهب وأخرج الحاكم عن إبن مسعود أنه قال : لما قال صاحب يس ياقوم أتبعوا المرسلين خنقوه ليموت فألتفت إلى الأنبياء فقال إني آمنت بربكم فأسمعون أي فأشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين وأكد الخبر إظهارا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارا للإختصاص والإقتداء بهم كأنه قال : بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عزوجل كما يشير إليه كلام إبن مسعود رضي الله تعالى عنه وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الإستشهاد بهم والإستحفاظ للأمر عندهم وقيل الخطابان للناس جميعا وروى عن عاصم أنه قرأ فأسمعون بفتح النون قال أبو حاتم : هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فأما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فأسمعوا وإما أن تبقى وتكسر ومن الناس من وجهه بأن الأصل فأسمعونا أي فأسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم .
قيل أدخل الجنة إستئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن إبن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وألقى في بئر وهي الرس وقال السدي : رموه بالحجارة وهو يقول : اللهم أهد قومي حتى مات وقال الكلبي : رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات وعن الحسن حرقوه حتى مات وعلقوه في بر المدينة وقبره في سور إنطاكية وقيل : نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه .
ودخوله الجنة بعد الموت دخول روحه وطوافها فيها كدخول سائر الشهداء وقيل الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنه من أهل الجنة يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث وحكى نحو ذلك عن مجاهد .
أخرج عبد بن حميد وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عنه أنه قال في قوله تعالى : قيل أدخل الجنة وجبت له الجنة وجاء في رواية عن الحسن أنه قال : لما أراد قومه قتله رفعه الله تعالى إلى السماء حيا كما رفع عيسى عليه السلام إلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة فإذا أعاد الله تعالى الجنة أعيد له دخولها فالأمر كما في الأول والجمهور على أنه قتل وأدعى إبن عطية أنه تواترت الأخبار والروايات بذلك وقول قتادة أدخله الله تعالى الجنة وهو فيها حي يرزق ليس نصا في نفي القتل وفي البحر أنه أراد